عندما تتأمل فيما يحدث من أفكار على الصعيد الثقافي ستجده غير متكافئ وخاصة فيما يتعلق بحاجة الجمهور، قد نبلوا حسنا، ونكتب مدعين إصلاح الكون، ونقدم العروض المجانية من فلسفة وشعر وأدب وجيولوجيا وطب وهندسة واقتصاد وسياسة وعلم اجتماع، ونشهر أقلامنا سيوفاً لكي نحول النزاع والخلل إلى إبداع، وصيغ منظمة تملأ استمارة كل فرد بما يحب، وجداول حسابية طويلة بما يتمنى كل منا، ولكن التأثير غير مقنع، بالأمس كاتب يعتزل الكتابة لعدم جدوى مطالبه على مدى ليس بالقريب والنتائج كما هي لم تتغير، وتعديلات ومقدمات غير فاعلة، ومطالب غير منظورة، إننا في النهاية نوجد عدوانية وصراعا على قدم المساواة بين الناس، لأننا نلامس الجرح من خلال نقاش طويل، وتكتل جماعي يسير في اتجاه واحد، ولكن السيطرة عبارة عن جملة مقايضات، ونتائج سلبية محبطة، وهكذا، فالأمر إذن رهن للقضايا والنتائج التي تحقق أهدافها بجهود متفاوتة وغير مرضية، ففي الحقيقة، يمكننا أن نكون أكثر تحديداً، فمثلاً أن الواقع يقع في وقت متقدم وتوجد به ثورة تقنية كبيرة وبرمجيات عملاقة، وهذا التطور وجد لخدمة الإنسانية بدرجة أولى، ما يجعله يخفف من تعثر الحلول، ويسهل الحصول على الحقوق الشرعية. ربما يكون أفضل التفسيرات في موضوعنا اليوم هو تسليط الضوء وليس استعراضات لغوية تلطف المشاكل، وتخفف من وقعها، فلن تستطيع أن تقول أريد طرح المشكلة اليوم وغداً أنتظر حلا ً جذرياً لها، يلزم الجميع طرح مقنن ومسؤول يستجيب وفقاً لمقتضى صلاحياته، وألا يقدم تلميحاً عائماً يسكت المطالبين،، ويحبط عزائمهم ويفتح لهم طرقاً غير مشروعة لإنجاز مطالباتهم وخدماتهم، كالرشوة وخيانة الأمانة والواسطة. في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، (كان عالم النفس الألماني "جيرت هوفستيد" يعمل لصالح الموارد البشرية لشركة آي بي إم في أوروبا، فكانت وظيفته أن يجوب العالم ويتفاعل مع الموظفين، ويسألهم عن مشكلاتهم مع الجمهور وما هي توجهاتهم نحو أصحاب السلطة، فكانت الاستقصاءات طويلة ومعقدة، ومع مرور الوقت أنشأ قاعدة بيانات هائلة لتحليل الطرق التي تختلف بها الثقافات عن بعضها البعض، وقسّم تلك الثقافات طبقاً للدرجة التي بمقتضاها تتأقلم الرؤى وتنتج ويعتني الأفراد بأنفسهم، وأن يتعرف على القوى المثبطة داخل ذاته، ويمكنك أن تتخيل الأثر الذي أحدثته النتائج التي توصل إليها العاملون). إن هناك نقاطا لابد من الوقوف عندها، أهمها إدراك حجم المسؤولية والقدرة على مساعدة الناس لكي تحصل على حقوقها من حاجز الروتين، ومن الموظف الذي يقوم بدوره بإيعاز من مديره، وأن يحترم حاجة المراجع وان يقف في موقع المسؤولية، كمؤشر على ثقافة الحقوق والواجبات الوظيفية، في الوقت الذي تسود فيه النماذج والمثاليات نظرياً وليس عملياً، لذلك علينا أن نحصي عددها وآلياتها وحصص العرض والطلب، ومضاعفة الجهود التي تحقق الأهداف وتخلص الناس من الضجر. إن فشل الاتصال بين المسؤول والمسؤولية كارثة تحتاج إلى مسار صحيح وحماية العلاقة بينهما، وإيجاد أرضية مشتركة بين الناس والدوائر الخدمية، وطاقة متكاملة تحمي من السقطات التي تكسر الثقة وتهدم أساس البناء الصحيح، الذي تقوم عليه المجتمعات، وتجنب النتائج المؤقتة التي تساهم في ضعف البنية التحتية.
مشاركة :