في ضوء تعهدها الرد ديبلوماسياً واقتصادياً على أي تحرك روسي عسكري في اوكرانيا، استمرت ادارة الرئيس باراك أوباما في اعداد رزمة عقوبات قد تستهدف موسكو، بينها تجميد أرصدة وأصول وصولاً الى طرد موسكو من مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى. وهي كثفت استشارتها مع الشركاء الاقليميين والدوليين حول هذه الاجراءات، في وقت علّقت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) كل مجالات التعاون العسكري بين الجانبين. وأعلن البيت الأبيض ان أوباما اجتمع أكثر من ساعتين ليل الاثنين - الثلثاء مع مستشاريه لشؤون الأمن القومي، وناقش سبل فرض الولايات المتحدة وحلفائها «مزيداً من العزلة» على روسيا بسبب تدخلها في اوكرانيا، مع تأكيدهم ان الروس «لا يزالون يملكون فرصة لاتخاذ خطوات فورية لنزع فتيل الأزمة». كما أجرى أوباما اتصالات مع ولي العهد الاماراتي الأمير محمد بن زايد ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، وبحث معهم في شكل العقوبات التي يمكن فرضها على روسيا، وإمكان إيجاد بدائل لاستيراد اوروبا الغاز الطبيعي من غير روسيا، ما قد يشمل دولاً عربية بينها السعودية وقطر والامارات. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مركل قالت لأوباما إن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عالم آخر، وليس على اتصال بالواقع». الى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية تعليق التعاون العسكري الأميركي مع روسيا بسبب احداث اوكرانيا. وقال الناطق باسمها الأدميرال جون كيربي: «تشمل الخطوة تدريبات واجتماعات ثنائية وزيارات لموانئ وتخطيط مؤتمرات، وسنقوم العلاقات العسكرية التي تطورت خلال السنوات الأخيرة مع روسيا، لزيادة الشفافية وبناء تفاهم وتقليص خطر سوء الحساب العسكري». ودعا كيربي روسيا الى تخفيف حدة الأزمة في أوكرانيا، مطالباً «بعودة قواتها في القرم إلى قواعدها بحسب الاتفاقات الخاصة بتحركات أسطول البحر الأسود الروسي»، مؤكداً ان لا تغيير في تمركز الجيش الأميركي في اوروبا والبحر الأبيض المتوسط، فيما تنفذ وحدات سلاح البحرية عمليات وتدريبات روتينية كان مخططاً لها مع الحلفاء والشركاء في المنطقة». وأجرى نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، اتصالات حول الوضع في أوكرانيا مع كل من رئيس الوزراء الأوكراني آرسين ياتسينيوك، والرئيس الأستوني توماس أيلفيس. واستعرض بايدن مع ياتسينيوك خطط دعم الإصلاحات الاقتصادية في اوكرانيا، علماً انه كان اتصل به مرتين سابقاً لتأكيد الدعم الأميركي لأوكرانيا، والاشادة بتحلي حكومتها بضبط النفس. ولم يستبعد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، على هامش زيارة وزير الخارجية جون كيري لكييف، حيث أعلن ان الرئيس اوباما سيعمل مع الكونغرس لتوفير ضمانات قروض قيمتها بليون دولار لدعم الحكومة الأوكرانية الجديدة، اصدار العقوبات على روسيا «خلال أيام». «ممانعة» بريطانية لكن الولايات المتحدة قد تواجه رفض أوروبا التعجل في فرض عقوبات. ونقلت «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن وثيقة رسمية مسرّبة حملها مسؤول بارز اثناء توجهه الى اجتماع في مكتب رئيس الوزراء ديفيد كامرون اول من امس، ان «بريطانيا تعارض فرض عقوبات تجارية، أو غلق المركز المالي في لندن امام الروس»، علماً ان لندن مقصداً مفضلاً للأثرياء الروس، كما تستقطب بنوكها ومؤسساتها التجارية مبالغ كبيرة من اموال روسيا. وفيما أوردت الوثيقة ان «التصريحات العلنية «يجب ان تكون عامة، والتهديدات حذرة تطلق عبر رسائل خاصة»، لم ينفِ وزير الخارجية البريطاني مضمونها، لكنه اكد ان خيارات بريطانيا في التعامل مع روسيا على خلفية الأزمة في اوكرانيا، لا تزال مفتوحة»، وقال امام البرلمان إن «السماح بتصوير الوثيقة امر مؤسف، وكان يجب الا يحدث، لكن اي شيء مكتوب في وثيقة يحملها مسؤول ليس دليلاً على قرارات ستتخدها الحكومة. وخلال زيارته كييف أول من أمس، حذر وزير الخارجية وليام هيغ روسيا من «عواقب وثمن» تدخلها في اوكرانيا، من دون ان يشرح هذه العواقب. وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي هددوا بفرض عقوبات على موسكو، بينها فرض حظر على التأشيرات وتجميد أرصدة شخصيات بارزة وتعليق اتفاقات متبادلة. لكن اي قرار يحتاج الى موافقة كل الدول الـ 28 الاعضاء في الاتحاد، وهو أمر صعب في ظل تمتع دول مثل قبرص وايطاليا بعلاقات وثيقة مع روسيا. ورغم اعتبار محللين ان أي خطوة لإبطاء الاستثمارات في روسيا «ستكون مؤثرة، إذ ان اقتصادها تراجع في الأشهر الأخيرة، وبات أضعف منه خلال أزمة تدخل روسيا في جورجيا عام 2008»، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من تونس ان التهديدات الغربية بفرض عقوبات على بلاده «لن تغير موقفنا الصادق من اوكرانيا». وأضاف: «عارضنا دائماً سياسة العقوبات الآحادية الجانب. وآمل بأن يفهم شركاؤنا الطابع غير البناء لمثل هذه الاعمال». واتهم لافروف الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بعدم تأييد حكومة توافقية في اوكرانيا، واصلاحات تضم كل الأطراف، وقال: «يجب ان نتحاور، ولا نستثني أحداً. موقفنا واضح، ولن يتغير». ولفت تحذير سيرغي غلازييف، المستشار في الكرملين، من ان روسيا ستخفض اعتمادها الاقتصادي على الولايات المتحدة «الى الصفر» إذا فرضت الأخيرة عقوبات، «ما يؤدي الى انهيار النظام المالي الأميركي، وانهاء هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي». لكن مصدراً في الكرملين قال إن «غلازييف عبّر عن رأيه الشخصي، وليس عن الموقف الرسمي للكرملين». وقال غلازييف: «سنجد وسيلة ليس فقط لخفض اعتمادنا المالي على الولايات المتحدة، بل لجني فوائد كبيرة من العقوبات». وأضاف: «سنضطر الى استخدام عملات أخرى، ونخلق نظامنا الخاص لتسديد المدفوعات، ولدينا علاقات اقتصادية وتجارية رائعة مع شركائنا في الشرق والجنوب». على صعيد آخر، صرح رئيس شركة «غازبروم» الروسية أليكسي ميلر بأن «الشركة ستلغي خفض أسعار الغاز المقدم لأوكرانيا بدءاً من نيسان (أبريل) المقبل لأنها لا تفي بالتزاماتها ولا تتقيد بالاتفاقات المبرمة». وأشار ميلر الى ان «غازبروم» قد تقرض أوكرانيا بين بليونين و3 بلايين دولار لسداد ديون تتجاوز 1.5 بليون دولار، بعدما أبلغت كييف شركة الغاز التي تملكها الحكومة الروسية أنها لن تستطيع دفع ثمن شحنات شباط (فبراير). وأمس، صادق البرلمان الأوكراني على اتفاق لقبول قرض قيمته 610 ملايين يورو (840 مليون دولار) من الاتحاد الأوروبي، كان اتفِق عليه في شباط 2013، لكنه لم يُقرّ خلال حكم الرئيس المخلوع الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش.
مشاركة :