واصلت القوات النظامية السورية، تقدمها ببطء في الأحياء الشرقية المحاصرة من مدينة حلب، إثر اشتباكات عنيفة مع الفصائل المقاتلة، وسط وضع إنساني كارثي، في وقت عقد مجلس الأمن الدولي، أمس، اجتماعاً طارئاً لبحث الأزمة السورية، بينما دعت فرنسا وبريطانيا، إلى وقف قصف مدينة حلب، فيما طالبت الولايات المتحدة بتحقيق حول «جرائم حرب» في المدينة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بسيطرة قوات النظام بعد منتصف الليلة قبل الماضية، على تلة في منطقة الشيخ سعيد، وأبنية سكنية في حي صلاح الدين المجاور في جنوب مدينة حلب، بعد هجوم موسع ضد الفصائل المقاتلة. وأشار إلى معارك عنيفة بين الطرفين على محاور عدة في جنوب المدينة، وفي شمالها، وفي أحياء بستان الباشا وسليمان الحلبي وصلاح الدين التي تشكل أبرز خطوط المواجهات. وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن لـ«فرانس برس»، إن قوات النظام تتقدم بشكل بطيء، بسبب المقاومة الشرسة من الفصائل تحديداً في جنوب المدينة. وتنفذ قوات النظام هجوماً على الأحياء الشرقية في حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ 22 سبتمبر الماضي. وتعرضت الأحياء الشرقية على مدى أسبوعين لغارات روسية وسورية كثيفة، أدت إلى مقتل أكثر من 270 شخصاً، وألحقت هذه الغارات دماراً هائلاً بالأبنية وطالت المستشفيات. وغداة إعلان الجيش السوري الأربعاء الماضي، قراره «تقليص عدد الضربات الجوية والمدفعية على مواقع الإرهابيين»، بعد «قطع جميع طرق إمداد المجموعات الإرهابية في الأحياء الشرقية» في حلب، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية مع قناة دنماركية، عرضت أول من أمس، أن قواته ستواصل محاربة «المسلحين» في حلب حتى يغادروا المدينة، إلا اذا وافقوا على الخروج بموجب اتفاق مصالحة. وتحاصر قوات النظام السوري منذ نحو شهرين الأحياء الشرقية في مدينة حلب، حيث يعاني أكثر من 250 ألف شخص نقصاً فادحاً في المواد الغذائية والأدوية. وغالباً ما يستخدم النظام السوري سياسة الحصار لتجويع وإخضاع المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، بهدف دفع مقاتليها إلى تسليم سلاحهم والانسحاب بموجب ما تسميه «اتفاقات مصالحة». في السياق، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن «عشرات الأشخاص» خرجوا، أمس، من الأحياء الشرقية عبر «ممرات آمنة» ونقلهم الجيش إلى مراكز إقامة مؤقتة. لكن مدير المرصد قال إنه لا معلومات متوافرة لديه عن خروج مدنيين أمس. كما لم يسجل مراسلو «فرانس برس» في شرق المدينة أي عمليات خروج من المدينة. وقال مصدر عسكري ومقاتلون معارضون إن القوات النظامية والموالين لها، اشتبكوا جنوب حلب مع المعارضة. وتركز القتال في منطقة الشيخ سعيد الخاضعة لسيطرة المعارضة بالمدينة، وتجاور الراموسة التي شهدت أعنف المعارك في وقت سابق من الصيف الحالي، وإن كانت الروايات تضاربت بشأن ما إذا كان الجيش قد حقق أي مكاسب. وقال مدير الدفاع المدني في حلب عمار السلمو، إن يوم أمس، لم يشهد قصفاً على أحياء المدينة. وقال مصدر عسكري سوري صباح أمس، إن الجيش سيطر على مواقع مهمة في الشيخ سعيد، لكن مقاتلي المعارضة ذكروا في ما بعد أنهم استعادوا تلك المواقع وأنهم مازالوا يسيطرون على المنطقة. وغداة تحذير مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستافان دي ميستورا، من ان الأحياء الشرقية لحلب «ستدمر بالكامل»، إذا استمرت وتيرة الهجمات على حالها، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة حول سورية. دعت فرنسا وبريطانيا، أمس، إلى وقف قصف مدينة حلب المحاصرة من قبل الطيران الروسي والسوري. وقال السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر، للصحافيين قبل دخوله قاعة المجلس لبدء الجلسة المغلقة، ان «الأولوية هي لوقف حمام الدم في حلب». في السياق، طالب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بتحقيق حول «جرائم حرب» يستهدف النظام السوري وحليفته روسيا بعد ضربة جديدة على مستشفى في مدينة حلب. وقال كيري، أمس، «الليلة الماضية هاجم النظام مجدداً مستشفى، حيث قتل 20 شخصاً وأصيب 100، على روسيا والنظام أن يقدما للعالم اكثر من تفسير لأسباب عدم وقفهما ضرب مستشفيات وبنى تحتية طبية إلى جانب أطفال ونساء». وطالب في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان مارك آيرولت «بتحقيق ملائم بجرائم حرب». من جهته، قال آيرولت انه أبلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال لقاء معه ان «لا شيء يمكن ان يبرر حمم النار والقتلى» في حلب، معتبراً ان روسيا، الحليف الرئيس للنظام السوري، يجب ألا تتساهل أيضاً مع هذا الوضع. ويحاول آيرولت إعطاء دفع لمشروع قرار تأمل فرنسا إقراره في مجلس الأمن، يطالب بوقف القصف على حلب وإيصال المساعدات. وأعلن لافروف أول من أمس، أنه «مستعد للعمل» على مشروع القرار، شرط ألا يتعارض مع «المقاربات المبدئية الواردة في الاتفاقات الروسية الأميركية، وان يأخذ بالاعتبار القرارات التي سبق ان اتخذها مجلس الأمن والمجموعة الدولية لدعم سورية». إلى ذلك، نسبت وكالة «إنترفاكس» للأنباء إلى لافروف قوله، أمس، إن موسكو على استعداد لدعم مقترح ستافان دي ميستورا بشأن اصطحاب المقاتلين السابقين في «جبهة النصرة» (جبهة فتح الشام) خارج مدينة حلب السورية. وقال لافروف إن مقاتلي المعارضة في حلب ينبغي أن يقدموا ضمانات مكتوبة بأنهم انفصلوا عن «جماعات إرهابية»، وسيمكن عندئذ إلحاقهم بأجهزة مشتركة لفرض القانون والنظام مع السلطات.
مشاركة :