في حَيٍّ شعبيٍّ عَشْوائيِّ الصورة، مُكْتَظٍ بالبشرِ، وفي أحدِ شوارعهِ الضيَّقة رأيتُ زحامًا شديدًا يحاولُ أنْ ينظِّمهم طَابُورَان: أحدهما للرجال، والآخر للنساء. أمَّا الهَدف فـ(عيادة طبيَّة) صغيرة في حجمها، رَثَّة في تأثيثها ومظهرها، ضعيفة في إمكاناتها؛ ولكنَّها كبيرة بقلب الطبيب الذي يُدِيرها، إذ الكشف فيها شبه مجاني، فهو فقط بـ(3 جنيهات مصريَّة) أيّ ما يعادل (ريالاً واحدًا). تلك العيادة في إحدى ضَواحي (القاهرة)، عاصمة مصر، وقد قرأتُ عنها هناك؛ فقررتُ زيارتها، حيث أكَّد لي طبيبها القائم عليها (عبدالباسط محمد) -الذي تجاوز السبعين من عمره، وهو أستاذ في الجراحة العامَّة- أنَّه بدأ هذه الخطوة قبل خمسة عشر عامًا، بعد تقاعده من إدارة أحد المستشفيات الكبيرة، وأنَّه إنَّما يأخذ تلك (الثلاثة جنيهات) لمحاولة تأمين أدوية يُقدِّمها مجانًا لمن لا يستطيع شراءها. (عَمَلٌ إنسانيٌّ رائعٌ) كم أتمنَّى أنْ تُفِيد منه عندنا (المشافي، والمراكز الطبيَّة الخاصَّة، وكذا الأطباء، والصِّحِّيون؛ بحيث لا يكون المال هو غايتهم؛ فهم يُؤمنون بأنَّ الطِّب مهنةٌ إنسانيَّة أولاً، وأنَّ مَن يعملون فيه ما هم إلاَّ ملائكة بشريَّة في رسالتهم الشريفة والنبيلة؛ لذا فهم يقومون بواجبهم في ساحة (المسؤوليَّة الاجتماعيَّة). وهنا لعلَّهم يُخصِّصون ساعات من أسبوعهم، وأيامًا من شهرهم لتقديم الرعاية الصحيَّة للفقراء من المواطنين والمقيمين؛ في ظل ظروف اقتصاديَّة قاسية تحيط بهم، وتخنقهم. وفي هذا المجال أقترحُ أنْ يُرفقَ بكلِّ مسجدٍ، أو مدرسةٍ، ولاسيَّما في أحياء ذوي الدخل المحدود، عيادة طبيَّة، ومركز لغسيل الكِلَى، يساهم فيهما الأطباءُ والمختصُّون المتبرعُون -بحسب المتاح لهم من أوقات- وهذه دعوة للقطاع الصحيّ الأهليّ لتخصيص نسبة من عياداتهم، وعمليَّاتهم للمحتاجين. فصدِّقوني المجتمع (أيّ مجتمع) لا تسكنه الطمأنينة، والأمن النفسي إلاَّ بزراعة (الممارسات الإنسانيَّة في شرايينه)، بمثل تلك اللمسات التي يتكامل فيها العطاء الحكومي بالخاص. aaljamili@yahoo.com
مشاركة :