أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن «حب العترة الطاهرة من آل بيت النبوة، والوقوف على ذكرى الحسين وآل البيت رضوان الله تعالى عليهم، يكون في التأسي والاقتداء بهم في مقاومة الظلم والباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإصلاح، والثبات على الحق». وفي خطبته يوم أمس الجمعة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، رأى أن «التأسي بآل البيت، يجب أن يكون كما كان بين القرابة والصحابة من التراحم والمحبة والتآخي والتواد، والتناصح والتواصل، وحب الخير لجميع المسلمين، والبعد عن الشر والحقد والبغضاء، والتعاون على البر والتقوى، والحرص على الوحدة الإسلامية، ووحدة الكلمة والصف والمجتمع والأمة». وأضاف «نحن اليوم كأمة إسلامية واحدة، على اختلاف مذاهبنا وطوائفنا، نواجه أعداءً كثيرين للإسلام والمسلمين، ونواجه خصوماً عديدين، يتربصون بنا فتكاً، وبمقدراتنا ومقدساتنا سلباً ونهباً، والواجب يقتضي أن نجعل من عاشوراء، مناسبة لوحدة الأمة والوطن وإبعادها عن التوظيف السياسي، وتأكيد التلاحم بين أبناء الأمة والوطن الواحد، والابتعاد عن إثارة الفتن والمحن، ونجعلها محطة للتخطيط والعمل لمستقبل أكثر اتحاداً وتآلفاً وتعاوناً وتكاتفاً وإصلاحاً، من أجل عزة وكرامة ورفعة هذه الأمة، وأوطان المسلمين». واستعرض القطان عدداً من الأحداث التي شهدها شهر محرم الحرام، وقال: «إن من الأحداث المؤلمة المحزنة المفجعة للقلوب، التي وقعت في شهر الله المحرم، استشهاد الإمام الحسين بن علي (رض) وعن أبيه وعن آله الطيبين الطاهرين، وكان ذلك في يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة على أيدي الظالمين من الطغاة البغاة في كربلاء من العراق». ووصف الحسين بأنه «أبو الشهداء، وريحانة رسول الله في الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، وهو الذي قال فيه سيد الخلق محمد (ص): «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط» أي هو كأمة صالحة من الأمم، فله عظيم القدر في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة». وأفاد القطان بأن «في أوائل شهر الله المحرم الحرام، ومع إطلالة كل عام هجري جديد، تبرز في تاريخنا الإسلامي المجيد، أحداث عظام، ووقائع جسام، لها مكانتها عند أهل الإسلام، ولها أثرها البالغ في عز هذه الأمة، ونصرها وقوتها، وصلاح شريعتها في كل زمان ومكان، وتحقيقها سعادة البلاد والعباد في أمور المعاش والمعاد». وأوضح أن «ما أجمل أن نقف معكم اليوم بعض الوقفات مع عدة قضايا مهمة، جديرة بالتنبيه والإشادة، وحرية بالتذكير والإفادة، ولاسيما ونحن نعيش مع بدايات عام هجري جديد، علَّ هذه الوقفات تكون سبباً في تحريك الهمم، واستنهاض العزائم، للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، مصدري العزة والقوة والتوفيق في الدارين، والخير والسعادة في الحياتين». وذكر أن «أول هذه الوقفات الجديرة بالتنويه والعناية، والاهتمام والرعاية، مع حدث لا كالأحداث، حدث غير مجرى التاريخ، حدث يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والصبر والفداء، والعزة والقوة والإخاء، والتوكل على الله وحده، مهما بلغ كيد الأعداء، ذلكم هو حدث الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية، ذلكم الحدث الذي جعله الله سبحانه وتعالى طريقاً للنصر والعزة والكرامة، ورفعاً لراية الإسلام، وتشييداً لدولته، وإقامة صرح حضارته على العقيدة الخالصة والوحدة الصادقة». وأردف قائلاً: «لما اشتد أذى الكفار برسول الله (ص) بمكة، أذن الله له بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخرج (ص) من بيته يتحدى أعداءه، ويفوت الفرصة عليهم في تدبيرهم ومكرهم، فخرج رسول الله (ص) وبرفقته صاحبه الصديق (رض)، الذي ضرب مثلاً رائعاً في نصرته وفدائه لرسول الهدى (ص)، وشفقته على حياته. وأشار إلى أن «في موقف الإمام علي بن أبي طالب (رض) وبطولته وتضحيته فداء لرسول الله (ص) ودعوته، قدوة للشباب، وهو موقف الشاب المؤمن الفدائي المضحي، الذي لم يتردد في أن ينام على فراش الرسول، ويتغطى ببردته في الليلة التي اجتمع فيها شياطين الكفر والغدر ليفتكوا برسول الله (ص)، ويا لها من نومة تحيطها المخاوف والأهوال، ولكنّ علياً يمضي قدماً في سبيل عقيدته، مؤمناً الإيمان كله بأن الله معه، وهو خير الناصرين». ورأى أن «في موقف الصحابي عبدالله بن أبي بكر (رض)، في خدمة رسول الله (ص)، مثلاً يحتذى لشباب الإسلام في أثرهم البالغ في الاضطلاع بأمر الدعوة إلى الله، كما أن في موقف السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ما يقرر مكانة المرأة المسلمة وأثرها العظيم في نجاح الدعوة وإعداد الدعاة إلى الله». ونوّه القطان إلى أن «الهجرة النبوية فيها كم من دروس تحتذى وعبر تقتفى، لو رجع المسلمون لدينهم واعتزوا بتاريخهم وثوابتهم، وأمعنوا النظر في سيرة رسولهم (ص)، ولاسيما والأمة الإسلامية اليوم تعيش في عالم عصفت فيه أمواج المحن، وهبت فيه أعاصير الفتن، حتى أصبحت أمتنا حبلى بالمشكلات، وثكلى بالفتن والمعضلات، ضعف وفرقة وخلافات، ذلة ومهانة ومنازعات، حروب وثورات ونكبات، كوارث وتحديات، وتسلط من قبل أعداء الأمة!!». وتساءل: «إلى أي حال أدى الشقاق والخلاف والنزاع بين أبناء الإسلام وأبناء الوطن الواحد؟! كيف ومن دروس الهجرة النبوية وثمراتها ترسيخ مبدأ الأخوة الإسلامية والوحدة الإيمانية؟، وإلى أي حد امتدت سيطرة أعداء الإسلام وغزوهم عسكرياً وفكرياً وثقافياً وخلقياً وإعلامياً لكثير من بلاد المسلمين؟ كل ذلك وغيره من غيوم الفتن وسحب المحن، يتطلب من أمة الإسلام حلولاً عاجلة مع إطلالة هذا العام التي ترتسم على محياه بسمات التفاؤل، وتبرق في آفاقه فلول من الآمال العريضة، والتطلعات لمستقبل أفضل، تتبدد فيه سحب الآلام والأحزان عن كل بلاد الإسلام». وواصل استعراض الوقفات والأحداث في شهر محرم، قائلاً: «إن من أبرز ما يصور معاني الهجرة، الأخذ بتعاليم الإسلام التي جاء بها صاحب الهجرة (ص)، والتجافي عن الهبوط إلى مستنقعات المعاصي والآثام، وهذه هجرة لا يعذر مسلم في تركها. وإن من أكبر ما يترجم عناية الأمة بالهجرة النبوية، هو التمسك بمنهج صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام، والتزام سنته وهديه، وأطر النفوس على الهجرة في كل صورها ومعانيها، إما بمعناها الشرعي الخاص، بالانتقال إلى حيث العزة والمنعة وإقامة الدين، أو بمعناها العام بهجر المعاصي بكل أنواعها». وبيّن أن «وقائع الهجرة النبوية - ليست قصصاً تورد ولا روايات تسرد، لكنها عقيدة وانتماء، وعمل واهتداء، واتباع واقتداء، وجهاد وافتداء»، مشيراً إلى أن «في هذا الحدث العظيم من الدروس والعبر ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه لتحقق لها عزها المنشود، ومجدها المفقود، ومكانتها المرموقة بين العالمين، ولعلمت علم اليقين وهي تعيش بداية عام جديد، بل على مفترق طرق وتشعب سبل، أنه لا حل لمشكلاتها، ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها بإيمانها وعقيدتها، فو الله ثم والله ما قامت الدنيا عبر التأريخ إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العز والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لله رب العالمين، وهيهات هيهات أن يحل أمن وأمان، ورخاء وسلام واطمئنان، إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين (ع)». وشدد أنه «متى تذكر المسلمون هذه الحقائق الناصعة، وعملوا على تطبيقها في واقع حياتهم، كانت هي السلاح الفاعل الذي يقاتلون به، والحصن الحصين، والدرع الواقي المتين الذي يتقون به في وجه الهجمات الكاسحة، والتكتلات العالمية والمؤامرات الدولية، والصراع الذي تعيشه قوى الأرض جميعاً، فالقوة لله وحده». ولفت إلى أن ثالث الوقفات، مع حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة أولياء الله، وانتقام الله من أعدائه مهما تطاولوا وتجبروا وتغطرسوا، إنه حدث قديم، لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والأعصار، إنه يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى (ع)، وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر، والعظات والفكر للدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فمهما بلغ كيد الأعداء وأذاهم وظلمهم وتسلطهم، فإن نصر الله قريب، وهو درس لكل عدو لله ولرسوله، ممن سار على طريق فرعون، أن الله منتقم من كل طاغية وظالم، طال الزمان أو قصر. وخلص إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، إلى أن «يوم الهجرة ويوم عاشوراء، يومان من أيام النصر الخالدة، ألا فلتقر أعين أهل الحق ودعاته بذلك، فالعاقبة للمتقين، ولينتبه لذلك -قبل فوات الأوان- أهل الباطل ودعاته»، مؤكداً على «فضل صيام يوم عاشوراء اقتداءً بنبي الله موسى الذي شكر الله بعد أن نصره على فرعون وملئه».
مشاركة :