أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) سوالنساء. من الواجب على كل مسلم أن يسعى إلى تدبر كتاب الله العزيز، حيث إن المتدبر في كلام رب العالمين، هو الذي يفوز بنفائس القرآن التي لا تُعد ولا تحصى. وهو الذي ينجو من المهالك في هذه الدنيا التي تخبئ لنا أموراً قد تؤدي لهلاك المرء كلما زادت غفلته. أمور تتكتشف يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. فالأيام كما يقال حُبلى بالأسرار والأخبار. وبمعنى آخر، أن الإنسان السالك كلما ابتعد عن نور القرآن الذي فيه التحذيرات اللازمة لتلك المهالك، فهو في الحقيقة كأنما يغامر للمشي في طريق سبق الإنذار له أنه طريق به مخاطر ومفاجآت.. وأمور أخرى، وهو لم يأخذ احتياطاته ولم يكترث ويبالي حتى لذلك. تأمل معي في هذا المثال: أرأيت إذا قيل لك تعلم السباحة، لأنك لو سقطت في البحر لغرقت. إذاً، ماذا ستفعل؟ فبالرغم من عيشك في اليابسة أغلب الوقت بطبيعة الحال، ولكن فكرة الغرق والموت ستجعلك بلا شك تفكر بطريقة منطقية عملية وستتعلم السباحة، تفادياً للموت ولو من باب الإحتياط. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) سورة محمد. والمتدبر في آيات الله عز وجل الدالة مثلاً على الجنة والنعيم والراحة والكرامة التي فيها، تجعله متشوقاً توّاقاً لهذه المنزلة العظيمة، والتي لا يستطيع منافسته عليها أقوى ملوك الأرض. وجُعل في الحياة الدنيا لأصحاب الجنان وجاهةٌ وكرامة خاصة تجعلهم يعيشون حياةً سعيدة، منتظرين لنعيم الجنة التي قلنا إنها أعظم كرامة وراحة. هذا المتدبر الواعي العاقل الذي يتزود بالآيات تلاوة وتدبراً وتفكراً وتمسكاً، يتشبع قلبه بآيات ربه ونورها، فيرجو لقاء الله تعالى ويحاذر مخالفته فيصطلح حاله من ذات نفسه. بل ويدعو لهذا الصلاح كل من حوله ويجتهد في ذلك لأن الخير قد غمر قلبه، وفاض بوعاء عقله فأصبح حينئذ يدفع نفسه بنفسه للدعوة لهذا الخير. دعنا نأخذ مثالاً عملياً آخر.. يقرأ المُصلي في كل صلاة سورة الفاتحة، ويأتي -مثلاً- لقوله سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2). ويقرأ بعض العصاة هذه الآية غير متأملين في معناها، إنها إقرار منهم من أن كل نعمة هي منه سبحانه وتعالى، فيستعينون بنعمه على عصيانه وهم لا ينتبهون لقولهم (الحمد لله رب العالمين) ورب العالمين سيحضرهم في اليوم الذي يجمع فيه العالمين ثم يفضحهم أمامهم. وقوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5).. على كل مسلم يتلو هذه الآية الشريفة أن يراعي حقها ومستحقها تدبراً كي يتأثر بها وينسجم معها. يقول لربٍّ لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء (إياك نعبد وإياك نستعين) وهو يقف بباب السلاطين والملوك من غير داعٍ، وهو يعلم إنما ذلك فيه أذى لهؤلاء الوجهاء وإراقة لماء الوجه.. ثم ينصرف لهم باله وقلبه حال الحاجة، بل وقد يتشتت في صلاته تفكيراً فيهم، وبحثاً عَمَّا يرضيهم، وإنما الحاجة -يقيناً- يقضيها خالقها وبارئها. فهذا خدش في الإيمان ونقص في العقل. هذه نماذج عملية للتأمل والتدبر في سورة لا تستقيم صلاة إلا بها، وفيها معانٍ عظيمة كما رأيت، فكيف لو تلوت الــ 114 سورة متدبراً إياها كما أمرك ربك جل وعلا. بإذن الله ستحس بفرق عظيم في حياتك، ونور في بصيرتك، وحكمة تتفجر من ينبوع قلبك، يتوسع معها إدراكك للأمور، وتتكشف لك من بركات سور القرآن الستور. فهنيئاً لك هذه المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :