مواقع التواصل تغيّـر نمط العلاقات الاجتماعية في السعودية

  • 3/6/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم تجد ليلى حرجاً في أن تفاتح والدتها التي تملك حساباً على «تويتر»، بأن شاباً أبدى إعجابه بها ويريد أن يتقدّم لها. وكانت والدة ليلى راقبتهما فترة طويلة وهما يتناقشان في أكثر من موضوع، وأحياناً كانت تشاركهما برأيها. وجود والدة ليلى معها على الموقع سهّل لها مهمة أن تتحدث إليها في أمر الشاب، وهو ابن زميلة للوالدة، وكان من الصعوبة جداً أن تجمعه الجغرافيا بليلى، فجمعهما «تويتر». وتقول ليلى: «لم أجد صعوبة في أن أتحدّث إلى والدتي عن رغبة أحدهم في التقدّم لخطبتي، لأنها كما أخوتي، معي في تويتر، وما أكتبه يكون على مرأى الجميع، كما أنهم يشاركونني بآرائهم في أشخاص وحوارات في تويتر. وينتقل الحديث إلى مائدة الطعام وجلساتنا العائلية. وعندما تحدّثت إلى والدتي كانت لاحظت منذ فترة الإنسجام بيني وبينه». وتضيف أن ما دفع والدتها إلى الموافقة هو أن الشاب ابن زميلة لها، وهكذا تمّ الزواج بعد تواصل العائلتين، والآن تعيش ليلى مع زوجها حياة عمادها الانسجام وأنجبا طفلاً، ولا يزالان يتشاركان في حوارات على تويتر». ليلى تجسّد واحدة من حالات كثيرة لعبت مواقع التواصل الإجتماعي دوراً في حياتها، وتؤشر لما أحدثته هذه المواقع من تغيير في الحياة الاجتماعية للسعوديين. والواقع أنها فتحت الباب في شكل واضح على التواصل المباشر بين الجنسين في مجتمع محافظ كان يردد دائماً أن «صوت المرأة عورة»، ويدين أي حوار بين ذكر وأنثى حتى إن كان مهنياً. لكن الوضع يتغيّر، لا سيما أن فئات المجتمع كلها موجودة على «تويتر»: مشايخ، قضاة، وزراء، فنانون، أناس عاديون... يتقاطعون في حوارات يومية تتناول ميادين عدة. وأثرّت الحوارات، خصوصاً بين الجنسين، كثيراً في طبيعة العلاقات الاجتماعية، كما يبدو. وفي هذا الصدد تقول الاختصاصية الاجتماعية فوزية أشماخ: «الإنفتاح الفكري بين الجنسين في تويتر قلل سلطة المجتمع وبعض معتقداته الخاطئة حول مشاركة الرجل المرأة في مختلف المجالات، وانتقل هذا الانفتاح في شكل هادئ إلى أرض الواقع عبر تنظيم مؤتمرات ومهرجانات وأعمال خيرية يشارك فيها الجنسان وكانت بذرتها حواراً على تويتر». وهذا ما تؤكده إبتسام صالح من خلال تجربة ابنتيها (إحداهما طالبة جامعية والثانية في المرحلة الثانوية) اللتين نظمتا مؤتمراً بعد مرحلة تنسيق عبر «تويتر» مع منظمين ذكور. وتوضح صالح أن مشاركتها ابنتيها مواقع التواصل الإجتماعي منحها «فرصة أكبر لحمايتهما ورعايتهما في شكل أسهل وأخفّ حدة». وتضيف: «أزاح الأمر عني الخوف أو القلق من المجهول، ولم أضطر لمنعهما أو حرمانهما بحجة أني لا أعرف ما يدور في تلك المواقع، ووجودنا معاً في مواقع التواصل جنّبني أيضاً أن أكون تحت ضغط الإشاعات والسلبيات التي يتداولها بعضهم لتخويفنا منها ومما يحدث داخلها». وتعتقد صالح بأن مواقع التواصل «ساهمت في تكوين جيل من الشباب يعرف ما يريد ومحدد الأهداف»، معتبرة، إنطلاقاً من تجربتها، أن تلك المواقع «ساعدت أيضاً في هدم الحواجز بين أفراد المجتمع عموماً وليس بين المرأة والرجل فحسب، إذ سمحت بالتقاء أناس وتعاونهم في اهتمامات مشتركة، على رغم اختلاف توجهاتهم الفكرية وعاداتهم وتقاليدهم». وتضيف: «ساهمت هذه الأمور في تبسيط العلاقة بين الجنسين وتسهيل التعامل بينهما، إذ كان من الصعب سابقاً معرفة الجنس الآخر ومتطلباته وطبيعته في بيئة محافظة». لكن صالح تدرك أيضاً أنه «على رغم هذا التغيير الذي أحدثته مواقع التواصل الإجتماعي في العلاقة بين الجنسين، لا تزال الطريق طويلة قبل أن يتقبّل المجتمع هذا التغيير»، معللة ذلك بـ «الفترة الطويلة التي عاشها المجتمع تحت تأثير التيار الواحد». وتوضح: «لأني من مجتمع محافظ أجد حرجاً أحياناً بالتصريح بوجود حوارات مشتركة بيني وبين ذكور، إذ يفهمها بعضهم بأنها نوع من العلاقة غير المرغوبة (...)، حتى أن بعض الشابات يرفضن الفكرة باعتبارها سبباً لهدم الحياة الزوجية، خصوصاً إذا كان أحد الزوجين يشارك في هذه المواقع والآخر يرفضها، فيما يتفهّم الزوجان الانفتاح الذي خلقته مواقع التواصل إذا كانا يتشاركان فيها».   كسرت حواجز «ضد الطبيعة» يحلل الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة الشيخ أحمد الغامدي مواقع التواصل الإجتماعي، متقبّلاً أثرها على المجتمعات التي عانت وفق وصفه، «الفصل والعزل القاسي بين الجنسين». ويؤكد أن هذه المواقع «وسيلة من الوسائل المُباح استعمالها في كل ما هو مشروع في حياة الناس ذكوراً وإناثاً»، عازياً ما قد يحدث من تصرفات غير شرعية من مستخدمين ليس إلى المواقع ذاتها، بل إلى «المستخدم نفسه، تربيته وأخلاقه وأدبه ودينه وإيمانه». ويقول لـ «الحياة»: «توفّر هذه المواقع خصوصية مجرّدة للمستخدم يمكن أن يوظّفها في صورة مشروعة ومفيدة في حياته ويستخدمها إيجابياً وهي من النعم التي تستحق شكر الله». ويرى أن «المجتمع المنعزل فيه الرجل عن المرأة لوقت طويل قد تحصل فيه المخالفات في شكل أكبر كردّ فعل غير منضبط لذلك الفصل القاسي الطويل، والملائم في هذه الحال إعطاء فرصة أكبر لتحوّل تفكير هذا المجتمع ليكون في صورته الإيجابية كبقية المجتمعات، إضافة إلى توسيع دائرة التوعية والثقيف في شـكل تربوي ذكي مبدع لإحتواء ردّ الفعل غير المنضبط عند بعض أفراده، في صورة سلسة متدرّجة للوصول بالمجتمع إلى الوعي الصحيح الصحي في كيفية استخدام هذه المواقع وفق صيغة تحترم حقوق الآخرين وخصوصياتهم وتحقق لهم الفوائد المشروعة من التواصل ذكوراً وإناثاً». ويعرب عن اعتقاده أن «هذه هي الطريق الأنجع ليحدث الأثر الإيجابي لهذه المواقع على المجتمع». ويؤكد الغامدي أن مواقع التواصل «كسرت حواجز كثيرة لأنها غير منطقية وغير شرعية وضد الطبيعية. ولا يمنع الدين تواصل الذكور والإناث عبر أي وسيلة في كل ما هو مباح»، مضيفاً: «ليس صحيحاً في الدين أن المرأة عورة أو أن صوتها عورة فذلك لم يثبت بنقل صحيح، وما في الكتاب والسنن الصحيحة يثبت مشروعية التواصل بين الجنسين في كل ما هو مباح وذلك هو المرجع الفصل في حكم هذه المسألة، وخطأ البعض لا يعني الخلل في المشروعية بل يعني الخلل في من يقع منه الخلل». ويرى الغامدي أن اعتقاد «متحفظين» بأن التواصل بين الجنسين في المواقع المذكورة محرّم أو خاطئ، هو «رفض خاطئ لكل جديد، لذلك يحرّمونه»، موضحاً أن «الدين لم يأت بقطع العلاقة بين الجنسين بل جاء بتنظيمها في صور مشروعة قد يدرك بعضهم ويتفهّم مستجدات وسائلها، وقد يحتار بعضهم وقد يندفع آخرون بذمها أو تحريمها بناء على وقائع غير سوية من أفراد وليس ذلك بصواب. فما يحصل من هؤلاء من خلل لا يعني أن الكل واقع فيه ولا يعني حرمة هذه الوسائل المستجدة». ويتابع: «الحكم فيها يقتصر على أصحاب ذلك الخلل دون غيرهم، وإحتواء تلك المخالفات ومعالجتها في صورة تربوية وتوجيهية ذكية يخلقان وعياً إيجابياً في المجتمع خصوصاً المجتمع الذي عانى نتائج ذلك الفصل والعزل القاسي (...) من دون تضييع حق من لحق به ضرر تلك المخالفات قضائياً». السعوديةمواقع التواصل الاجتماعي

مشاركة :