تغيرات كثيرة حصلت في جامعات إقليم كردستان هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم منذ أكثر من عامين، فيما يتوقع العاملون في مجال التعليم أن تغلق بعض الجامعات الحكومية أبوابها خلال السنة الدراسية الحالية في حال استمرار إضراب الأساتذة عن التدريس ومطالبتهم برواتبهم المتأخرة. الأزمة بدأت عندما بدأت رواتب المدرسين والموظفين الإداريين تتأخر وصاروا يتسلمون راتب شهر واحد كل شهرين ثم تطورت ليتسلموا راتب شهر واحد كل ثلاثة أو أربعة أشهر، أما اليوم فهم يعتاشون على راتب ربع شهر كل أربعة أشهر. التبريرات التي تقدمها حكومة كردستان معظمها يتعلق بالأزمة مع بغداد وتأخير موازنة الإقليم البالغة 17 في المئة من موازنة العراق، لكن القضية اليوم تبدو أكثر اتساعاً من حدود الإقليم بعدما أعلنت الحكومة العراقية هي الأخرى حال التقشف قبل أكثر من عام وأصبح الموضوع أكثر صعوبة من السابق. في تموز (يوليو) الماضي، أصدر أساتذة جامعة السليمانية وهي الجامعة الرئيسية الحكومية في المدينة بياناً أعلنوا فيه إضرابهم عن العمل، وذكروا انهم لن ينتظموا في الدوام هذا العام (2016-2017) طالما بقيت رواتبهم على هذه الحال المزرية لأنهم باتوا عاجزين عن سد رمق عائلاتهم، وفي نهاية الأسبوع الأول من تشرين الأول (اكتوبر) الجاري أصدروا بياناً آخر أكدوا فيه تمسكهم بموقفهم، وأنهم سيتركون العمل في الجامعات في حال لم تستجب الحكومة لمطالبهم. آلاء لطيف أستاذة في كلية الإعلام في جامعة السليمانية تقول لـ «الحياة»: «العام الدراسي المنصرم كان بحق مأسوياً، لأن الإضرابات عمّت الجامعة ولم يحصل الطلاب على المنهج بشكل كامل وصحيح». وتضيف: «أنا لم أدرس الطلاب سوى خمس محاضرات فقط بسبب الانقطاعات والإضرابات ولذلك من الصعب أن نحاسبهم على نوعية إجاباتهم على الأسئلة الامتحانية طالما لم نزودهم بما يحتاجون اليه من شرح للمواد فكان موقفنا محرجاً ولذلك أعطيناهم درجات لا يستحقونها بسبب تقصيرنا معهم، لكن نسبة النجاح انخفضت في بعض المواد». وتؤكد لطيف أن النظام الدراسي في الجامعات واجه اعتراضات عدة في الأساس بسبب وجود خلل في بعض فقراته وجاءت الأزمة لتزيد الطين بلة. عشرات الأساتذة الأكراد الذين غادروا كردستان منذ سنوات طويلة الى اوروبا وحصلوا على الجنسية في بلدانها عادوا بعد ازدهار الإقليم وفتح العشرات من الجامعات الحكومية والأهلية فيه، لا سيما بعدما منحتهم وزارة التعليم العالي في الإقليم امتيازات وتحفيزات. أما اليوم فقد عاد هؤلاء مجدداً الى اوروبا بعد فقدانهم رواتبهم فيما حصل بعضهم على عقود في جامعات دول الجوار. بعض الجامعات الحكومية شبه مغلقة اليوم بسبب انقطاع الدوام فيها سواء للطلاب أم للأساتذة أو الكوادر الإدارية وبات العمل في أماكن غير حكومية هو الحل. أما الطلاب فينسخون محاضراتهم في شكل أسبوعي ويعودون الى المنازل بانتظار أن تفرج أمورهم. وتبدو جامعات السليمانية أكثر تأثراً بالأزمة من جامعات اربيل، كما أن الجامعات الحكومية التي يزيد عددها عن عشرين تبدو بدورها أكثر تضرراً من تلك الأهلية التي تفوقها عدداً. وما زاد الوضع سوءاً، أن الأساتذة الذين يداومون في الجامعات الحكومية والأهلية على السواء، فضلوا الأولى على الثانية، وإن طاولتها الأزمة، لكنها لا تزال قادرة على تسديد أجورهم. وكانت وزارة التعليم العالي في الإقليم أصدرت أمراً العام الماضي الى الجامعات الأهلية يقضي بخفض الأقساط الجامعية بنسبة 15 في المئة على الأقل، وبالفعل تم تطبيق القرار في معظم الجامعات. بل إن بعضها تجاوز النسبة المذكورة في التخفيض وخفض أجوره بنسبة 30 في المئة ووزع المبالغ المستحقة لها على خمسة أو سبعة أقساط بعدما لاحظت مغادرة عدد من الطلاب المقاعد الدراسية. برهم خالد أستاذ في جامعة التنمية البشرية الأهلية يقول انه لا يستبعد أن يؤثر انخفاض عدد الطلاب في أجور الأساتذة مستقبلاً، إذا ما استمرت الظاهرة. ويضيف: «حتى اليوم لم يبلغنا أحد أن أجورنا ستخفض، لكن الأزمة مستمرة ولا نعرف ما قد يحدث في المستقبل، ففي الفصل الدراسي الذي أقوم بتدريسه خمسة طلاب تركوا الدراسة هذا العام بسبب الأزمة». الجامعة الأميركية في السليمانية هي الأخرى حذت حذو الجامعات الأهلية واتبعت سياسة تخفيض الأقساط، وكل رسوم أخرى. فدورات اللغة التي تقيمها في شكل دائم وتستقطب الكثيرين ممن يريدون تحسين لغتهم ومدتها شهران خفضت رسومها من 780 دولاراً الى 600 دولار. جامعات أخرى بدأت خططاً جديدة لمعالجة الأزمة وبعضها فتح باب التسويق واستقطب طلاباً عرباً، لا سيما الجامعات التي تعتمد اللغة الانكليزية في التدريس وليس اللغة الكردية التي تعد من أهم عوائق دخول الطلاب العرب. جامعة كردستان هولير مثلاً، واحدة من الجامعات الحكومية المتميزة في الإقليم وتدرس مناهجها باللغة الإنكليزية وكانت في بداية افتتاحها تستقطب الطلاب الأكراد المتميزين جداً بمهارات اللغة، اما اليوم فقد أعادت الإدارة النظر بسياسات القبول وفتحت باب التسويق لطلاب يستطيعون دفع الأقساط الدراسية لدعم استمرارها. تقول آفا نادر مديرة قسم التسويق والعلاقات العامة في جامعة كردستان هولير لـ «الحياة» أن الجامعة كانت تمنح البعثات للطلاب المتميزين باللغة الانكليزية فقط وبعد الأزمة المالية بدأت استقطاب الطلاب من الإقليم وخارجه فدخل الكثير من الطلاب العرب اليها. وتضيف: «لدينا تنوع كبير في الأقسام الإنسانية وهذا أمر جيد، حتى أن لدينا طلاباً عرباً من البلدان المجاورة». وتزيد: «لم نتخل عن المستوى العلمي، وفتح باب الجامعة أمام طلاب قادرين على دفع الأقساط هو للحفاظ على الاستمرارية ولذلك قمنا بفتح قسم تطوير اللغة لطلاب السنة الأولى قبل التحاقهم بتخصصاتهم». وللحفاظ على استمرارية الجامعة أيضاً، تم تخفيض بعض امتيازات الأساتذة كحصر امتياز السكن بالأساتذة الوافدين من خارج كردستان، وإلغاء أجور السفر والتنقلات وغيرها.
مشاركة :