تتحدث وسائل إعلام أجنبية، عن أن إقرار «قانون جاستا» سيجعل المملكة - وكردة فعل - توقف تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.. من يقرأ مثل هذه التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق في شيء، سيتبادر إلى ذهنه أن المملكة ربما تتوقف عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بعد إقرار قانون «الابتزاز» هذا..! وهو أمر عار عن الصحة جملة وتفصيلا.. فتبني أو إبراز هكذا وجهات نظر، لهو شيء مسيء لنا فعلاً، وهو بالضبط ما يريده منّا من لا يريد لنا الخير! نقولها بوضوح: المملكة ستستمر في مكافحتها للإرهاب بكل السبل والوسائل، بما في ذلك التعاون الأمني والاستخباراتي في هذا المجال مع الدول الصديقة والشقيقة والحليفة.. بما فيها الولايات المتحدة.. ذلك أن الإرهاب يهدد المملكة ويسيء للإسلام ويستهدف المسلمين بالدرجة الأولى.. إنه عدونا الأول وعدو البشرية جمعاء.. فنحن حين نكافح الإرهاب، ونتعاون مع أصدقائنا وحلفائنا ومع العالم أجمع.. فإننا بذلك نحمي أمننا الوطني، وندافع عن مصالحنا ومصالح الأمة العربية والإسلامية، والدين الإسلامي الحنيف، والعقيدة الوسطية السمحة، ونسعى لكل ما من شأنه تحقيق الأمن والسلم الدوليين.. وهو جزء لا يتجزأ من سياستنا الخارجية الثابتة والنزيهة جداً والقائمة على مبادئ وأسس أخلاقية عربية إسلامية وإِنسانية راسخة، ولذلك أسست المملكة بالتعاون مع أصدقائها وحلفائها ومنظمة الأمم المتحدة: «المركز العالمي لمكافحة الإرهاب» التابع لمكتب الشؤون السياسية لدى الأمانة العامة في الأمم المتحدة. نعم، تجاوز الكونغرس الأمريكي وبأغلبية مريحة فيتو الرئيس «أوباما» ضد إقرار مشروع قانون «جاستا» الذي يعلم تماماً أنه يضر بمصالح أمريكا ولا يحقق العدالة المبتغاة ومحاربة الإرهاب، واللذين نسعى لتحقيقهما أكثر من أي جهة أخرى كوننا المستهدف الأول من تنظيمات الإرهاب الإسلاموية وحركات الإسلام السياسي وفي مقدمها «داعش والقاعدة وحزب الله» بحسب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ذاتها. الآن، أضحى القانون غير المنطقي وغير العقلاني والمخالف لأبسط أبجديات القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة؛ أمراً واقعاً.. عليه وجب التعاطي مع هذا الوضع بفاعلية، فالكونغرس الذي أقر «جاستا» هو ذاته الذي أقر نتائج تحقيقات لجنة الحادي عشر من سبتمبر الأمريكية المشكّلة بأمر منه من عشرة مفوضين منتخبين، خمسة من الديمقراطيين، وخمسة من الجمهوريين، والتي أتيحت لها جميع الصلاحيات، واطلعت على المعلومات التي تم جمعها، واستعانت بالخبراء المحترفين والمحققين المختصين؛ وأفضت إلى نتائج مهمة، مؤداها تورط القاعدة وإيران وحزب الله في الجريمة النكراء.. يجب ألا نغفل ما يقوله علماء السياسة الأمريكان؛ بإن القرار في الولايات المتحدة لا يعتمد دائماً على العلم والمنطق والحقائق والمصالح الفعلية للدولة وللشعب، بقدر ما يخضع بشكل قوي لإرادة الشارع الأمريكي والرأي العام فيه وما قد يتصوره الشارع من «مصالح» يعتقد أنها صحيحة.. والتي يتخذها بناء على ما يعتقده أو «يتم إيهامه به».. وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً أو حقيقيا أو صواباً!.. وهذه هي الديمقراطية الأمريكية في الواقع. يؤمن الكثير من الأمريكان بالحكمة الشهيرة التي تقول: «قد تكون أكثر ثراء، وأكثر مقدرة مني، لكن صوتي في الانتخابات مساوياً لصوتك تماماً».. هذا في الظاهر.. فأعضاء الكونغرس يرددون أنهم يقضون معظم وقتهم في العمل على تحقيق ما تطلبه دوائرهم الانتخابية، لكن إذا ما سألتهم من هم هؤلاء المؤثرون في الدائرة، لاكتشفت أنهم ممثلو اللوبيات، والمصالح الخاصة، وقادة الرأي الذين يحركون الشارع، ويغرسون الرأي العام.. بغض النظر ما إن كان صائباً أم مضللا لأهداف خاصة تصب في مصلحة تلك اللوبيات وأصحاب المصالح. إن مصادر التأثير على صناعة القرار الأمريكي ليست الرئيس، أو البيت الأبيض فقط.. أو الوزارات السيادية كالدفاع والأمن القومي والمالية والاستخبارات المركزية والمباحث الفيدرالية.. صحيح أنها مهمة.. لكنها ليست بقدر تأثير الرأي العام الذي يتأثر به بشكل مباشر الناخب الأمريكي ويتبناه.. هذا الناخب الذي يتأثر بالإعلام، بشقيه التقليدي والجديد، وبقادة الرأي وجماعات المصالح واللوبيات والشركات الضخمة التي تقف في الخلف وتتلاعب بمعارف وتوجهات الجماهير، ما ينعكس بشكل مباشر على قرارات أعضاء الكونغرس، الذين قد يصوتون لقرارات على غير قناعاتهم، لكنها بنظرهم تلبي رغبة الناخب الذي سيعاود التصويت لهذا النائب أو ذاك، وتحقق له الشعبية التي يريد. وهو ما يهمه بالدرجة الأولى.. موضوع المقالة الرئيس هو في استراتيجية التعاطي الكفؤة مع إقرار قانون»جاستا»، وهي استراتيجية ثلاثية الأبعاد (قانونية، سياسية اقتصادية، والتواصل مع الشارع الأمريكي والرأي العام فيه «الدبلوماسية الشعبية») وهو ما سأفصله لاحقاً إن شاء الله. إلى اللقاء..
مشاركة :