رغم الغموض والسرية في الأوضاع الداخلية لبعض الدول بسبب السياج الإعلامي أو الانعزال عن العالم لمنع تسرب صور الاستبداد والفساد من الطبقة الحاكمة، فإن محاولات الصحافة لم تتوقف لنقل المآسي والأهوال للعالم في هذه المجتمعات. وحسب التقارير الدولية، فإن أكثر الدول الخارجة عن المألوف والتي يعاني شعبها الأمرين والأهوال، هي كوريا الشمالية التي تعد أكثر الأماكن فقراً وبؤساً ورعباً. النظام الديكتاتوري في هذه الدولة لم يترك شيئاً مفيداً لشعبه، فكل ما يشغله أن يظل الحاكم المستبد في الحكم لسنوات طويلة ثم يورث الحكم بعد وفاة الحاكم إلى ابنه أو أقاربه، أما الناس فلا حول لها ولا قوة وهي تعيش الطغيان والذل. ولكي يحافظ النظام السياسي على بقائه استغل موارد البلاد في إنتاج مختلف الأسلحة وبنسبه استهلاك تعادل 34 في المئة من دخل البلاد القومي، علماً بأن الدخل القومي للبلاد لا يتجاوز 16 مليار دولار. فضآلة هذا الدخل يمكن تصوره إذا قورن بثروة الملياردير بيل غيتس التي تصل إلى 80 مليار دولار أو أكثر، أي ضعف الدخل القومي لكوريا الشمالية بخمس مرات! صناعة السلاح، وحيازة أسلحة الدمار الشامل ومنها القنبلة الذرية، أصبح الشغل الشاغل للنظام السياسي الكوري الشمالي، على حساب حاجة الشعب لتحسين مستوى معيشته ورغبته في حياة كريمة ونهضة يعتقد العالم أنه لو أتيحت الفرصة لأصبحت كوريا الشمالية من الدول المتقدمة. إن العقلية الصناعية عند الكوريين الشماليين جعلتهم، رغم الصعوبات الاقتصادية، قادرين على انتاج القنبلة الذرية، ولقد أجروا منذ فترة قصيرة تجربة ناجحة لقنبلة هيدروجينية، جعلت الصين أكبر حليف لها، غاضبة ومنزعجة من هذه التجربة الهيدروجينية المدمرة، والتي كما يقال تسببت في حدوث زلزال في محيط التجربة. إن القنبلة الهيدروجينية، تعد من أخطر أسلحة الدمار الشامل، فقوتها تفوق كثيراً القنبلة النووية، وهي تعادل نحو ألفي ضعف القنبلتين الذريتين اللتان ألقيتا على اليابان إبان الحرب العالمية الثانية. وتعود القوة الهائلة للقنبلة الهيدروجينية إلى تحفيز الاندماج النووي بين نظائر كيميائية لعنصر الهيدروجين. ولشدة قوتها فإنها في حال تجربتها تسبب موجات زلزالية أرضية. المهم أن كوريا الشمالية بما لديها من تقنية المعلومات في إنتاج السلاح لم تستثمر ذلك في الداخل فقط، وإنما أيضاً ساهمت في نقل المعرفة لإنتاج السلاح الذري في دول أخرى. لهذا فإن التوجه الكوري الشمالي نحو السلاح الذري يعود إلى توجهاته في ترويع كوريا الجنوبية من أي عدوان محتمل تشارك فيه أميركا، وكذلك خلق تبريرات لقوتها ووجودها، إضافة إلى ترسيخ مفهوم «الدولة الكورية الواحدة». إن الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكوريا الشمالية وبشهادة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، هي أحوال لا تسر بسبب الفقر والقمع على يد نظام مستبد يقوده الزعيم كيم جونغ، الذي يعتبر من أعتى العتاه، فقد حول الدولة إلى نظام عسكري شامل، كما أن محاولات هروب الكوريين إلى الصين عبر الحدود زادت في السنوات الأخيرة، ووصل عدد سجناء الرأي رقماً لا يقل عن 200 ألف سجين سياسي، ناهيك عن الإعدامات والتخلص من المعارضين السياسيين. لهذا يعتبر الكثير من المحللين السياسيين، أن كوريا الشمالية أظلم بقعة إنسانية على وجه الأرض، نظراً لما يعاني منه الناس من بؤس وشقاء وخوف دائم. فالسلطة تمارس التعذيب والإعدامات للمعارضين في شكل اعتيادي، والدولة الشمالية تشكل تهديداً لجيرانها، وخصوصاً كوريا الجنوبية التي تعيش أجواء الرعب الدائم من احتلال الشمال لها في أي وقت... yaqub44@hotmail.com
مشاركة :