قلما يتعرض الاردن عامة والعاصمة على وجه الخصوص الى مشاكل فنية هندسية، فكود البناء الاردني من اكثر انظمة البناء أمانا ومنسوب الرقابة على تطبيق الكود الاردني من نقابة المهندسين ونقابة المقاولين عالٍ وهذه ميزات لا يجوز انكارها او القفز عنها، لكن هناك اختلالات بدأت تظهر في عملية البناء والصمت عنها له عواقب غير حميدة وتحديدا ظاهرة مقاول الباطن او المقاول الفرعي، حيث تتم احالة العطاء الاصلي على مقاول مصنف ليقوم بدوره بإحالته على مقاول من الباطن باسعار اقل وهذا يكون على حساب الجودة والانضباطية في المواعيد والمواد كذلك ستبتعد عن الدقة الكاملة والكفاءة المطلوبة . للمرة الثانية ينهار جسر مشاة في العاصمة عمان وللمرة الثانية تقف الاقدار الى جانبنا كمواطنيين وبجانب امانة عمان “ وما كل مرة تسلم الجرة “ كما يقول المثل الشعبي، فنحن امام ظاهرة تراجع الخدمات في امانة عمان وتردي نوعية المواد الداخلة في الصيانة بحيث نحتاج كل موسم مطري الى ترقيع واعادة ترقيع، ونسمع من امانة عمان نفس الاجوبة ونفس التبريرات، ولكنها ابدا لا تقول الحقيقة او تجافيها على الاقل، فالرقابة تدنت الى حدود مقلقة والتزام العاملين في الامانة بعملهم لا يرتقي الى مستويات الاداء الرشيد، مللنا من تبرير انخفاض الرقعة الحمراء وانعكاس ذلك على امتصاص الارض للمطر مما يرفع منسوب المياه في الشوارع وتفيض العبارات على المنازل، ومللنا من تبرير المقاول الفرعي غير المنضبط وعدم كفاية كفالة المقاول الاصلي لحسن تنفيذ الاشغال وكل ما تيسر من تبرير . القصة لا تحتاج اكثر من محاسبة المسؤول الفعلي والمسؤول الاخلاقي عن الخلل، محاسبة المقاول الاصلي والفرعي والمراقب وفريق الاستلام وفريق الصيانة ولاحقا محاسبة المسؤول الاخلاقي عن الخلل، اما حصر المسألة في محاسبة صغار المتسببين في الخلل فهو الازمة الحقيقية وهو الذي سيفتح باب التراخي في المحاسبة ويفتح المجال لمزيد من الاخطاء والاخطار وهذا لا ينسحب على امانة عمان وحدها بل على منظومة العمل الخدمي ومنظومة العمل الاداري والسياسي، فالتراخي في محاسبة المسؤول الحقيقي فتح شهية الانفس المريضة على الاستقواء على الحالة الوطنية برمتها . فزاد الفساد والاسترخاء، وطمع فينا المقاول والتاجر والفاجر والراغب بكل انتصار رخيص، فمن أمن العقوبة اساء الادب، وتخفيف العواقب وتقليل المسؤولية يفتح باب جهنم وليس باب الفساد والافساد فقط، وتصغير الاحداث وتقزيمها حد محاسبة مراقب عمال او مقاول فرعي صغير او مدير دائرة سيقودنا الى التهلكة، وبما ان كل مسؤولينا مفتونون بتجربة الغرب ويتفاخرون بانهم ينقلون التجربة الغربية والقوانين الغربية والانظمة الغربية والنماذج الغربية، فعليهم ايضا ان يقبلوا بالعقوبة على النظام الغربي والمساءلة على النظام الغربي، حيث يستقيل المسؤول الاول عن النقل لمجرد حادث تصادم بين قطارين او ظهور فساد في مؤسسته لا يعلم عنه والامثلة كثيرة على ذلك وطبعا يخضع بعدها لمحاسبة الاجهزة الرقابية . غياب الرقابة على تنفيذ المشارع الخدمية بات ظاهرة مقلقة وتراجع منسوب النزاهة الوظيفي اكثر اقلاقا، فثمة حالة من التراخي في الرقابة العامة على الاخطاء الجسيمة التي ترتكب كل يوم ابتداء من الاصطفاف العشوائي في الشوارع وليس انتهاء بطريق الموت الصحراوي وبناء المؤسسات الحكومية، وكأن قوة المقاولين باتت اعلى من قوة الدولة، ما يتردد في الاحاديث المهموسة عن ارتفاع حجم التراخي والاحباط عند الموظف العام يقلق الجميع وما يتردد عن الية اختيار المسؤولين الكبار في المؤسسات الخدمية والشركات الكبرى والحكومية يرفع مستوى القلق الى المنسوب الاحمر ولا بديل عن استعادة العقل الجمعي وتفعيل مبدأ المحاسبة على الكبير قبل الصغير اذا اردنا ان ننجو من كوارث الاقليم المتدحرجة والتي تبشرنا بغيرها وكالة الاستخبارات الامريكية عن عودة النسخة الثانية من الخراب العربي . الدستور
مشاركة :