أحمد مراد: عيني على القارئ الذي يقدّر كتابي ويشتريه

  • 10/11/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أحمد مراد كاتب ومصور مصري تخرج في معهد السينما ليبدأ مشواره الأدبي عام 2007 من خلال روايته الأولى التي حققت رواجاً كبيراً فطُبع منها أربع طبعات عن دار ميريت، ثم أعادت الشروق إنتاجها لتتحول إلى مسلسل تلفزيوني بعدها أصدر رواية «تراب الماس» التي بيع منها أكثر من سابقتها. ثم كتب رواية «الفيل الأزرق» التي وصلت إلى القائمة القصيرة بالبوكر عام 2014، وبعدها تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل اسم الرواية نفسه، ثم صدرت روايته المثيرة للجدل «1919»، والتي تدور أحداثها في ذاك التاريخ، وأخيراً خرجت روايته «أرض الإله» عام 2016. > الكاتب الجيد في الأصل قارئ جيد، كيف كانت قراءاتك؟ - أمي قارئة عتيدة جداً. كانت القراءة هي هوايتها الوحيدة، وكنّا نمتلك مكتبة ضخمة في المنزل. وكانت أمي تمارس القراءة يومياً، هي من حببتني بالقراءة، أذكر وأنا صغير أنها قد أحضرت لي كتب «المغامرون الخمسة»، وقالت لي اقرأ تلك الكُتب فإن أعجبتك فسأحضر لك باقي السلسلة، وبالفعل قرأتها، فأحببت جانب الألغاز الموجود فيها! بعدها – وقد كنتُ في الصف الأول الإعدادي تقريباً – قدمت لي سلاسل أحمد خالد توفيق الذي تعلقت بها بشدة. غير أنني لم أحب يوماً رجل المستحيل، المهم، بدأ شغفي بالكتب ينمو مع نموي، وكانت أمي هي صاحبة الفضل الأول في نقلاتي الأدبية، فبعد ذلك بدأت ترشح لي كتب مصطفى محمود وهي تخبرني أن تلك الكتب ستجعلك تفكر، وترى الأمور من زوايا أخرى، أذكر من تلك الكتب كتاب «العنكبوت» الذي أثر فيّ كثيراً. ثم أدخلتني أمي إلى الحقبة المحفوظية، لم تقل لي يوماً لا تقرأ هذا الكتاب لأن فيه جنس مثلاً، بالعكس هي ساعدتني على قراءة كل شيء... كانت القراءة تمكنت مني تماماً، وكنت مدمناً إياها، كنت أقرأ عن كل شيء، عن الفلسفة والتاريخ والأدب... لكن، تبقى هناك بعض الأعمال لها نصيب أكبر من غيرها، وهي الأعمال التي تترك داخلك شيئاً قوياً... فمثلاً رواية «ليالي ألف ليلة» لنجيب محفوظ رواية خطيرة من حيث الخيال واللغة وتأسيس الشخوص وكذلك «ملحمة الحرافيش» التي كانت تمثل لي تحدياً كبيراً، أن تقف أمام عمل ثم تقول لنفسك: كيف أنجزه هذا الرجل؟ إنه كاتب غير طبيعي! > متى أمسكت القلم وقررت أن تكتب النص الأول لك؟ - ستستغرب حين تعرف أن المحاولة الأولى لي في الكتابة كانت في عام 2007، تحديداً حين شرعت في كتابة فيرتيجو، أنا قارئ جيد غير أن الكتابة لم تكن ضمن حساباتي، خصوصاً أن لديّ فناً آخر قمت بدارسته والعمل به أيضاً وهو التصوير... حسناً، دعني أخبرك في البداية، والبداية كانت بـ «غراند حياة» في أحد المطاعم الدوارة حيث كان يعمل صديق لي، كان يعزف البيانو في المطعم، وكنت وقتذاك في انتظاره على إحدى الطاولات، ثم لاحظت دخول رجال أعمال، توتر المكان، وحاول العمال أن يكفلوا لهم الجو الهادئ والخصوصية، وقاموا بتبديل أماكن الرواد، وهنا طلب مني صديقي أن أجلس في طاولة بعيدة، ورحتُ أتابع حركاتهم، حتى انتهت جلستهم ورحلوا، ولكن في خيالي لم يرحلوا، تصورت أن هناك جريمة قتل حدثت بينهم، وأنني بكاميرتي قد صورت تلك الجريمة، وراح خيالي يسحبني في مناطق أخرى: لمَ حدثت تلك الجريمة؟ من هو رجل الأعمال؟ ماذا سيفعل معي؟... بعد ذلك عدتُ إلى البيت تراودني تلك الخيالات التي بدأت أحكيها لزوجتي، فشجعتني، قالت أنه يجب أن تكتب حتى لا تفقد المشاهد، وبالفعل أخرجت ورقة وقلماً وكتبت مشهد الجريمة، في صباح اليوم التالي وجدتني جالساً إلى مكتبي أكتب هذا النص، بعد ذلك بدأت تتلبسني حالة، فأستيقظ كل يوم لأكتب، وأكتب، وأكتب، استمررتُ على تلك الحالة حتى أنهيت العمل! بلا هدف في البداية سوى اتباعي الحلم، كنت أكتب ما يأتيني وخلاص بصرف النظر عمّا بعد! وفي مرة كنتُ في مكتبة ديوان أشتري كتباً كالعادة، وحين عدتُ لاحظت أن أربعة أو خمسة كتب من ضمن المشتريات هي من إصدار دار ميريت، فتحت الكتاب واتصلت بالرقم المطبوع، عرفت عنوان الدار ثم طبعت ما كتبته وتوجهت به إلى هناك. كانت المرة الأولى التي أرى فيها محمد هاشم وحمدي أبو جُليل... قلت لهاشم: أنا معايا نص وعاوز أنشره. فأخذ النص ووضعه على المكتب. خرجت من الدار ثم رجعت مرة أخرى وأخبرته أنني لستُ لحوحاً، وأن النص إن لم يعجبه فعليه أن يخبرني بذلك. فوعدني أنه سيرد بعد أسبوع، وقد كان، وقال لي وقتذاك أنه لا يفهم شيئاً مما كتبت! وأنها كتابة – ربما - تكون جديدة، وهي أقرب إلى نص سينمائي، لذا سينشرها ولكن على أن يُكتب على غلافها «رواية سينمائية»! غمرتني السعادة وقتذاك، والحماسة أيضاً، حتى أنني صممت لتلك الرواية 20 غلافاً، تخيل أنت مدى الحماسة! وقد اختار منها هاشم الغلاف الأحب إلى قلبي لتزداد سعادتي! وتلك كانت حكاية النص الأول الذي أكتبه وينشر لي. لكن المذهل فعلاً، أن تلك الرواية حققت رواجاً مدهشاً حتى أن ميريت طبعت منها أربع طبعات متتالية، ثم جاءت الشروق لتستكمل المشوار وتقدمها أيضاً كمسلسل تلفزيوني يحمل اسم الرواية نفسه! فكل ما عليك أن تتبع حلمك وستأتي النتائج مدهشة، أكثر دهشة مما تظن بكثير! > هناك تشابه كبير بين «تراب الماس» و «فيرتيجو»، فهما تدوران حول شاب بسيط يتورط في جريمة قتل ويكون سبباً في انكشاف الفساد... كيف تبرر ذلك؟ - كل رواية تعبر عن مرحلة مختلفة، فـ «فيرتيجو» مثلاً بدأت بتشخيص الجبن، البطل الذي فُرضت عليه معركة هي أكبر منه! وكيف وجد هذا الجبن منفذاً من طريق الإنترنت ليكشف للعالم كله الجريمة وخباياها. بينما الرواية الثانية «تراب الماس» تبدأ من الغضب وتنتهي بالعنف، وهو طور آخر يمر بمصر... لو تمعنت في الروايتين فستلاحظ أن أحمد بطل رواية «فيرتيجو» لديه تاريخ ميلاد طه بطل رواية «تراب الماس» ذاته... كنت أرغب في اللعب على فكرة التطور... ماذا حدث من هنا إلى هنا؟ لذلك، فرواية «فيرتيجو» بدأت بالجريمة مباشرة في حين كانت «تراب الماس» كاشفة وشارحة أسباب الجريمة. > في «الفيل الأزرق»، منطقة أخرى وطريقة سرد مختلفة، حدثنا عنها؟ - في رواية «الفيل الأزرق»، تحول السرد من الراوي العليم إلى الراوي المتكلم، كان هنا لا بد من أن تشعر بدواخل الشخصية وإحساسها أيضاً. أما المنطقة الأخرى فقد جاءت من خلال معادلة أراها جديدة، وهي السحر في مواجهة المرض النفسي، دائماً ما يأتي السحر في مواجهة الدين، على رغم أن المرض النفسي كان قديماً يصنف على أنه ناتج من السحر، فنحن نقول على الشخص المريض بدنياً حتى أنه مُصاب بالعين، وقد أثبت العلم أن هذا غير صحيح، فما بالك بالمرض النفسي الذي هو من أقدم الأمراض وأكثرها غموضاً، فانظر إلى مريض الفصال يتم تصنيفه فوراً أنه «مخاوي» أي أنه يتحدث إلى قرين، ومريض الصرع فهو ممسوس، وهكذا باقي الأمراض النفسية، وأنا استهوتني،فكرة الغموض تلك، والمرض النفسي غامض إلى درجة أن طرق العلم الحديث عاجزة عن تشخصيه في شكل مادي، فمثلاً مريض الاكتئاب... هل هناك أشعة تكشف لنا مرضه؟ بالتأكيد لا توجد... حسناً تلك كانت المعادلة وعلى إثرها جاءت رواية الفيل الأزرق! > رواية «1919» رواية تاريخية... لماذا تلك الفترة تحديداً؟ وكيف حضرت لها؟ - عندما يحدث غليان في التاريخ المعاصر، فإنك تبحث عن أقرب غليان مشابه له في التاريخ، غليان حقيقي نابع من الشعب فعلاً، مررت بالطبع على أحداث 23 تموز (يوليو) 1952 لم تكن ثورة من الأساس، حتى وصلت إلى ثورة 1919، فأيقنت أنها ثورة حقيقية خرجت فيها طوائف الشعب جميعها من أجل أهداف محددة تصب في مصلحة الوطن... والبداية كانت مع دولت فهمي... خبر كنتُ قرأته بعد رواية «فيرتيجو»، ظل عالقاً في ذهني، تركته يختمر على مهله وقد انشغلت عنه بكتابة باقي رواياتي، حتى جاء وقته، وقلت سأكتب عن تلك الفترة، وكان لا بد لي من أن أعد لهذا العمل جيداً فبدأت قراءة مذكرات سعد زغلول في أجزائها التسعة لعبدالعظيم رمضان والجزء العاشر للطيفة سالم. وقد استمتعت بها كثيراً، فالرجل لم يترك تفصيلة إلا وتناولها بالكتابة والعناية، ثم بدأت أعد الأمر للكتابة، والرواية مزيج بين شخصيات متخيلة مثل شخصية ورد وعبدالقادر شحاتة وشخصيات أخرى واقعية مثل دولت فهمي وأحمد كيرة وسعد زغلول. والرواية محاولة مني لاستقراء التاريخ وأثره في تلك المرحلة، لمعرفة أثر تلك المرحلة في المرحلة التي تليها، المستقبل! > لكن البعض عاب على هذه الرواية صورة سعد زغلول والمظهر الذي جاء به في النص! - يرد صاحب الفيل الأزرق مشيراً بإصبعه «إنهم يقدسون التماثيل، اسأل أي مصري... ماذا تعرف عن سعد زغلول؟ سيجيبك بأنه صاحب التمثال النحاسي في وسط البلد، لكن البشر لم يُخلقوا من النحاس بل هم بشر لديهم مزايا وعيوب بالتأكيد، نقاط ضعف وأخرى قوة، وهكذا هو الإنسان، وسعد زغلول مثله مثل باقي البشر، لا هو ملاك ولا هو تمثال! ثم ما عرضه في الرواية هو ما جاء بمذكراته ذاته، كان يلعب القمار، وبالتأكيد كانت تلك الخصلة سبباً في شجاره مع زوجته، كما أنه مر بمراحل ضعف أمام منصبه وتهميش ونفي أيضاً، وكلها أشياء إنسانية لا يمكن تفويتها أبداً! وهو ما حدث عينه مع رواية «أرض الإله»، والهجوم ذاته الذي تعرضت له من جانب النقاد. غير أنني لم أنشغل بالنقاد فأنا عيني على القارئ الذي يقدر كتابي ويشتريه ويتأثر به! > لقد تحولت روايتك «الفيل الأزرق» للسينما وكنت أنت كاتب السيناريو والحوار وكذلك روايتك «تراب الماس» في طريقها إلى السينما أيضاً... كيف يمكنك أن تعمل على نص كتبته للرواية وتعيده إلى السينما؟ - للسينما معايير مختلفة تماماً عن الرواية، فأنت في الرواية تحكي باللغة فقط بينما في السينما فأنت تعمل على الصوت والصورة والإيقاع والأداء والزمن... كلها معطيات توضع أمامك كتحدٍ ينتظر منك ما ستفعله! وأنا في الحقيقة أستمتع جداً بذلك التحدي. فالكتابة للسينما ليست سهلة أبداً كما يظن البعض، قد تستغرق وقتاً أقل بعدد صفحات أقل غير أن فيها تقنيات وفكراً يوازي الرواية، ولا تنسى أن عامل الزمن محدد بدقة ولا يمكن تجاوزه، ففي الوقت الذي من الممكن أن أكتب فيه عشر صفحات عن شخص مستغرق في تدخين سيجارة هي رفاهية لا تتوافر في السيناريو، أما بخصوص إعادة كتابة رواياتي للسينما فهو أمر محبب لي جداً، كما أنني خريج معهد السينما، تخرجت فيه بتفوق، فالعمل هنا نص موازٍ أستطيع أن أضع فيه مزجاً كنت أتمنى فعله في الرواية أو أن أضع مقطوعة موسيقية تعبر عن الحدث أو حتى في إعادة تفكيك النص برمته وتركيبه مرة أخرى بطريقة تناسب المشاهد الذي هو قارئ أيضاً، لذا فالأمر بالنسبة لي في غاية المتعة... وفي النهاية أنا غير ملزم بشيء أستطيع أن أكتب الرواية فقط مثل رواية «أرض الإله» مثلاً لن تتحول للسينما أو أن أكتب سيناريو غير مأخوذ من رواياتي، الاحتمالات كلها مطروحة ما دمت أشعر بالسعادة وأنا أقوم بعملي... وعن آخر أعماله يخبرنا مراد أنه متوقف حالياً عن كتابة الرواية بعد «أرض الإله»، وأنه يقوم بكتابة سيناريو فيلم سيخرجه مروان حامد وتنتجه شكر نيوسنشري، وقد رفض ذكر اسم الفيلم... أما «تراب الماس» فقد حسم الخلاف الذي كان قائماً بين مراد وأحمد حلمي لمصلحة الكاتب وستتحول قريباً فيلماً سينمائياً إخراج مروان حامد أيضاً وإنتاج نيوسنشري.

مشاركة :