لمحة خاطفة عن وسائل التواصل الاجتماعي بعد سنتين على لحظتها النوعية

  • 10/11/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الأرجح أن رسم مشهد بانورامي خاطف عن ظاهرة الـ «سوشال ميديا» في 2016، يقتضي الرجوع إلى الوراء قليلاً، وصولاً إلى حدث يبدو في نظرة استرجاعية أنه مثل لحظة نوعية في تطور تلك الظاهرة. ومن المستطاع القول من دون مجازفة كبيرة، إن 2014 كان عاماً مفصليّاً لتطور شبكات التواصل الاجتماعي، بفضل عناصر كثيرة لعل أبرزها الاندماج بين موقعي «فايسبوك» التي تعتبر أيقونة شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت من جهة، وتطبيق «واتس آب» الذي يمثّل تطوّراً نوعيّاً في علاقة الجمهور مع التواصل عبر الهواتف الذكيّة وأجهزة الـ «تابلت». وجمع الاندماج ذراعين هائلتين في الـ «سوشال ميديا»، إذ دمج التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت مع شبكة الأجهزة الذكيّة المنتشرة بين الجمهور، مع ملاحظة أن «واتس آب» لا يحتاج بالضرورة إلى شبكات الخليوي، بل إن الأخيرة علت صرخاتها عالميّاً من المنافسة المضمرة التي يمثلها «واتس آب» لشبكات الخليوي. واستطراداً، يعني ذلك أيضاً أنّ انتشار الأجهزة الذكيّة جعلها «شبكة موازية» يربطها الـ «واتس آب» والـ «آنستاغرام» و»سناب شات» وغيرها. إذاً، يصح اعتبار ذلك الاندماج العملاق مؤشّراً إلى الانعطافة النوعية التي حدثت في العام 2014 في شبكات التواصل الاجتماعي. وبمعنى آخر، ليس مجازفة كبرى القول إن تلك الشبكات صارت منذ ذلك العام، إعلاماً من نوع مميز يعمل بلا كلل عبر الكرة الأرضية على مدار الساعة، بل ثوانيها. وكخلاصة، يمكن القول إن العام 2014 كان عام التبلور الفعلي لظاهرة «الإعلام العام الاجتماعي» («سوشال ميديا» Social Media)، بصورته الراهنة. ربما الأصح أيضاً أن يقال «الإعلام العام الرقمي الاجتماعي» و»ديجيتال سوشال ميديا» Digital Social Media.   لقطة بالأرقام كيف يمكن النظر إلى تلك الظاهرة بعد سنتين من تلك الانعطافة؟ ربما كان مفيداً مطالعة تلك الدراسة الموسّعة التي أجرتها مجموعة بحثيّة أميركية عن المدى الفعلي لظاهرة «الإعلام العام الاجتماعي» ومكوناته، مع ملاحظة أنه يندرج ضمن ظاهرة أوسع تتمثل في التحول الرقمي عالمياً. وشملت الدراسة الأميركية ما يزيد على 240 بلداً ودولة ومنطقة، مع التوسع في تفاصيل المسار الرقمي لثلاثين بلداً تضم الاقتصادات الأضخم عالمياً. وخلصت الدراسة إلى مجموعة كبيرة من النتائج عن ظاهرة الـ «ديجيتال سوشال ميديا». ولعله من المستطاع تلخيص معطياتها الكبرى التي تتمثل في الـ «فلاشات» التالية: - وصل سكان الأرض إلى قرابة 7.210 بليون نسمة، يعيش قرابة 53 في المئة منهم في تجمعات حضرية. - بلغ عدد «سكان الإنترنت» قرابة 3 بلايين نسمة. ويمثل الرقم من يقدرون على الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن الجهاز المستخدم في الوصول إلى تلك الشبكة. ويعني ذلك الرقم أن نسبة انتشار الإنترنت بين سكان الأرض توازي قرابة 45 في المئة. وفي العام 2013، كانت النسبة نفسها هي 35 في المئة. - بلغ عدد الحسابات النشطة، بمعنى أنها مستخدمة فعلياً من أصحابها وليست جامدة، في مختلف مكونات «الإعلام الرقمي الاجتماعي» إلى ما يزيد على 2 بليون حساب فاعل، ما يمثل انتشاراً مقداره 29 في المئة. - وصل عدد الذين يملكون جهازاً رقمياً نقالاً للاتصالات (خليوي، «تابلت»، كومبيوتر محمول، مساعد رقمي شخصي...) خاصاً بهم بصورة مستقلة، إلى قرابة 3.7 بليون شخص، ما يمثل نسبة انتشار تقارب الـ 51 في المئة. - بلغ عدد الحسابات النشطة في الـ «ديجيتال سوشال ميديا»، قرابة 1.7 بليون حساب، مع يساوي نسبة انتشار تقارب 23 في المئة.   الترابط الكلي الحضور هناك كثير من التشوش النسبي في تلك الأرقام، بمعنى وجود من يملك أكثر من حساب نشط في مواقع الـ «سوشال ميديا»، كأن يملك حساباً في «فايسبوك» وآخر على «تويتر» وثالثاً في «سناب شات». وكذلك هناك من يملك غير جهاز رقمي نقال كأن يملك كومبيوتر محمولاً و»تابلت» وهاتفاً ذكياً وغيرها. ولا ينفي ذلك التشوش الصورة العامة التي رسمتها تلك الأرقام عن ظاهرة الـ «سوشال ميديا». لعل الخلاصة الأولى التي تشي بها تلك الأرقام تفيد بأن الأجهزة الإلكترونية النقالة باتت تهيمن على العوالم الرقمية. ويدفع ذلك إلى القول بوجود مسار يمكن تسميته «الترابط الكلي الحضور»، بمعنى أن شبكة إعلام الـ «سوشال ميديا» صارت تربط الأفراد بعضهم بعضاً على مدار الساعة وفي الأمكنة كافة. ومنذ انعطافة العام 2014، باتت تلك الشبكة ضامنة لمسار الترابط الكلي الحضور للأفراد، وهي تشمل جمهوراً بليونياً على امتداد الكرة الأرضية. وتلقى ذلك المسار دفعاً قوياً خلال العامين 2015 و2016، عبر ظهور ما عرف بـ «التقنية القابلة للارتداء» Wearable Technologies، على رغم أن انتشارها ما زال أقل من التوقعات الكبيرة التي رافقت ظهورها. وفي سياق متصل، أشارت الدراسة الأميركية إلى تصدر تطبيقات «واتس آب» و «سناب شات» و «فايسبوك ماسنجر» (يشتهر بين الجمهور باسمه المختصر «ماسنجر» Messenger)، وسائل الربط بين الأفراد في إعلام الـ «سوشال ميديا»، خصوصاً في البلدان ذات الاقتصادات الأضخم عالميّاً. وساعدت تلك العوامل في زيادة انتشار الانترنت التي صارت تشمل ما يزيد على نصف سكان الكرة الأرضية في العام الحالي. وتذكيراً، اختتم العام 2015 بانتشار الــ «سوشال ميديا» بين ثلث سكان الكوكب الأزرق، مع ملاحظة أن غالبية تلك الزيادة جاءت من الدول النامية! هل يعني ذلك أن البلدان المتقدمة وصلت إلى نقطة التشبع، أم أنها صارت على أبواب تحول نوعي جديد في «الإعلام العام الاجتماعي»؟ ربما لا تتأخر الإجابة عن ذلك السؤال الذي يحتاج نقاشاً واسعاً ومستقلاً. اعلام لـ "سكان الانترنت" كيف تظهر صورة علاقة جمهور الـ «سوشال ميديا» مع الوقت، خصوصاً قياساً بالوقت الذي يقضيه «سكان الإنترنت» في الاتصال مع تلك الشبكة؟ هناك أرقام في الدراسة الأميركيّة المشار إليها أعلاه، تلقي بعضاً من الضوء على تلك العلاقة عبر قياس الوقت الذي يقضيه المستخدم في شبكات التواصل الاجتماعي يوميّاً. وتشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة وقت استخدام الـ «سوشال ميديا»، من إجمالي استخدام الإنترنت. وكثيراً ما نُظِر إلى الإنترنت بوصفها شبكة أعمال متنوّعة، لكن الأرقام تشير إلى أنها تتحوّل تدريجياً إلى أداة تستخدم أساساً كوسيلة للـ «سوشال ميديا». وحاضراً، ينال «الإعلام العام الاجتماعي» حصة تزيد عن النصف، من إجمالي استخدام الإنترنت. وفي تحليل تلك الأرقام، تبيّن أن غالبية الزيادة في «سكان الإنترنت» حدثت بفضل زيادة عدد من يستخدمون الهواتف الذكيّة في الدخول إلى الشبكة الإلكترونيّة الدوليّة. ومن الواضح أيضاً أن النفاذ إلى الإنترنت ليس متساوياً بين البلدان كلها. ففي ثلاثة بلدان على الأقل، هي البحرين وأيسلندا وجزيرة برمودا، تساوى عدد «سكان الإنترنت» فيها مع عدد السكان الإجمالي! في المقابل، لم تزد نسبة من ينفذون إلى الشبكة الإلكترونيّة الدوليّة في كوريا الشماليّة وجنوب السودان، على 0.1 في المئة. وسجّلت الولايات المتحدّة نسبة نفاذ إلى الإنترنت لامست الـ88 في المئة من السكان، فيما سجّلت نسب مختلفة في أوروبا الغربية (81 في المئة)، وأستراليا (69 في المئة) وأوروبا الشرقيّة (58 في المئة) وأميركا الجنوبيّة (56 في المئة) ودول شرق آسيا (51 في المئة)، وتدنّى الرقم في أفريقيا إلى 26 في المئة. ويلاحظ أن سرعة الاتصال مع الإنترنت تتفاوت كثيراً بين البلدان والدول والمناطق. إذ تصل تلك السرعة إلى 25 ميغابايت في الثانية في كوريا الجنوبيّة، وتتدنى إلى قرابة 2 ميغابايت في الثانية في الهند. وحلّت هونغ كونغ ثانية بعد كوريا الجنوبيّة، تليها اليابان ثم سنغافورة ثم الولايات المتحدّة. وفي تلك الدول الأربع، يبلغ متوسط سرعة الاتصال بالإنترنت ما يزيد على 10 ميغابايت في الثانية، فيما يبلغ المتوسط العالمي لسرعة الاتصال مع الإنترنت قرابة 4.5 ميغابايت في الثانية.   تواصل جمهور مثابر ومتحرّك وفق أرقام تلك الدراسة الأميركية ذاتها، يبلغ المتوسط العالمي للوقت الذي يصرفه الفرد يوميّاً على شبكة الإنترنت قرابة 4 ساعات ونصف الساعة. وتبدو تلك المدّة طويلة تماماً، خصوصاً إذا تذكّرنا ان متوسط ساعات يوم العمل يتراوح بين 6 إلى 8 ساعات. وفي المقابل، يبلغ متوسط الوقت الذي يقضيه «سكان الإنترنت» في استخدام الـ «سوشال ميديا»، قرابة ساعتين و25 دقيقة، ما يزيد على نصف «يوم العمل» على الإنترنت! وبعبارة أخرى، يستهلك الفرد ما يتراوح بين نصف «يوم عمل» الشبكي إلى ثلثي «يوم العمل» على الإنترنت، وهو منصرف إلى التواصل على شبكات «الإعلام العام الاجتماعي»! وترتفع ساعات «يوم العمل» الشبكي للأفراد إلى 6 ساعات ونصف الساعة يوميّاً في الفليبين (وهو الأعلى عالميّاً)، فيما يلامس الـ 5 ساعات يوميّاً في تايلاند وفيتنام وأندونيسيا وماليزيا. وتسجّل أرقاماً أقل في اليابان (3 ساعات) وكورية الجنوبيّة (3.4) وألمانيا (3.5) والصين (3.6) وفرنسا (3.8).   الفيليبين أولى ولكن... في سياق حصة الـ «سوشال ميديا» من الساعات التي يصرفها الجمهور العام على الإنترنت، تأتي الأرجنتين والفيليبين في الطليعة لأن جمهورها يصرف ما يزيد على 4 ساعات يوميّاً في «العمل» على التواصل الاجتماعي! ويتراجع ذلك الرقم في فييتنام (3.1 ساعة يوميّاً) وتركيا (2.9 ساعة) والولايات المتحدة (2.7 ساعة) وروسيا (2.6 ساعة). ويسجل الفرد في اليابان الرقم الأدنى، إذ لا يصرف على الـ «سوشال ميديا» سوى ثلث ساعة يوميّاً. ويبلغ ذلك الوقت ذاته 1.3 ساعة في كورية الجنوبية، ويليها تصاعديّاً الصين (1.7 ساعة) وهونغ كونغ (1.8 ساعة) وهولندة (1.9 ساعة). وتستحوذ الـ «سوشال ميديا» على 3 ساعات ونصف الساعة من وقت الأفراد يوميّاً في دولة الإمارات العربيّة المتحدّة، وهو الأعلى عربيّاً، وتليها المملكة العربيّة السعودية (3 ساعات). في منحى التنقّل، لوحظ أن نسبة الدخول إلى الإنترنت عبر شبكات متنقلّة، أبرزها الـ «واي- فاي» Wi- Fi والـ «واي- ماكس» Wi- Max، تلامس الـ 40 في المئة، فيما يستعمل ثلث «سكان الإنترنت» الهواتف الذكيّة في الدخول إلى مواقع الإنترنت. ويبلغ المتوسط العالمي للدخول إلى الإنترنت عبر الشبكات والأجهزة النقّالة قرابة 37 في المئة. وتسجّلَ أعلى نسبة في الدخول إلى الإنترنت عبر الخليوي والأجهزة النقّالة، في نيجيريا (75 في المئة)، وتتدرج تلك النسبة نزولاً في الهند (72 في المئة) وجنوب أفريقيا (66 في المئة) وأندونيسيا (68 في المئة)، فيما تسجّل دولة الإمارات العربيّة المتحدّة أعلى المعدّلات العربيّة (57 في المئة)، تليها المملكة العربيّة السعوديّة (48 في المئة)، ومصر (23 في المئة). وتهيمن الأجهزة الإلكترونيّة المتنقلّة على النفاذ إلى الإنترنت في الهند التي تحتل المرتبة الثانية عالميّاً في عدد السكان. وفي بلاد المهاتما غاندي، تستعمل الهواتف في الوصول إلى الإنترنت بنسبة 72 في المئة. وفي الهند أيضاً، لا تستعمل أدوات الألعاب الإلكترونيّة إطلاقاً في النفاذ إلى الإنترنت، فيما يستعمل الكومبيوتر المنزلي والمحمول للوصول إلى الإنترنت بنسبة 27 في المئة، ويستخدم الـ «تابلت» في النفاذ إلى الإنترنت بنسبة 1 في المئة. صفارة انذار لصحافة الورق في ظلال ظاهرة «الإعلام العام الاجتماعي»، تبرز أيضاً حدود متلاعبة بين صحافة الورق وصحافة المواطن التي تساندها شبكات الـ «سوشال ميديا»، بل إنّها صارت هي هيأتها ومعناها ووسيطها حاضراً. وبعد تأمل، من يستطيع القول ببساطة أن من يقدر على الكتابة في شبكة اجتماعيّة هو... صحافي؟ في المقابل، ألا يبدو أن مجموع الكتابة على صفحات اجتماعيّة، هو صحافة حقّاً؟ تهدف تلك الأسئلة إلى الإشارة إلى صعوبة أصيلة في تعريف ظاهرة «صحافة المواطن»، مع التنبّه الى أن تلك التجربة ما زالت في بداياتها نسبيّاً، لكنّ مصيرها ومسارها مرتبطان كليّاً بمآل شبكات الـ «سوشال ديجيتال ميديا». في المقابل، ليس من خلاف كبير على تعريف الوجود الرقمي لصحف الورق على الشبكات الرقميّة، بأنّه «صحافة إلكترونيّة»، مع استدراك أن الصحافة الإلكترونيّة ليست مجرد عرض لصحف الورق في الوسيط الرقمي! ولا تكفي التقنية للإحاطة بتلك الحدود المتلاعبة، ولا لوصف العلاقة بين صحافتي الورق وتلك المستندة إلى شبكات «الإعلام الاجتماعي الرقمي». هناك من يسير في اتجاه معاكس تماماً. ثمة مؤسسات «تقلّد» شكل الصحف، في الأبواب ونوعية الكتابة وطرق العمل، وتضعه على الإنترنت، من دون أن تمتلك صحيفة ورق. وكثيراً ما يوصف ذلك بأنه صحافة إلكترونيّة، بل ينعقد شبه اتفاق على ذلك الوصف! هل إنّ تلك الممارسة تصف ظاهرة «الصحافة الإلكترونيّة» فعليّاً، بمعنى أنها تعريف يحيط بمكوّنات ظاهرة «الصحافة الإلكترونيّة»، خصوصاً علاقتها الفريدة مع الـ «سوشال ديجيتال ميديا»؟ هل يجب أن تنقل طقوس الصحافة وطابعها المؤسّساتي إلى الفضاء الافتراضي الرقمي (مع اغتراف بعض التقنية) كي ينطبق الوصف عليها؟ هناك حدود أخرى في تلك اللعبة التي لا تكف عن التحرّك. مع ظاهرة «التلاقي الرقمي» («ديجيتال كونفرجانس» Digital Convergence) تبرز أمور أخرى. إذ تتقاطع التلفزة ووسائلها، مع الاتصالات وميزاتها، إضافة الى الكتابة الإلكترونيّة، كي تصنع «مادة» إعلاميّة رقميّة. هل يصبح التلاقي الرقمي من الخطوط الرئيسية التي ترسم «صحافة المواطن»؟ كيف يؤثّر الأمر في تطوّر شبكات الـ «سوشال ميديا» التي هي النبع والمصدر في «صحافة المواطن»، بل إنّهما تتماهيان تماماً في اللحظة الحاضرة؟  

مشاركة :