تثير المشكلات التي يواجهها مصرف «دويتشه بنك» الألماني بعدما فرضت عليه وزارة العدل الأميركية غرامة قيمتها 12.5 مليار يورو (14 مليار دولار) مخاوف واسعة من تطور الأمر إلى أزمة تهز النظام المالي العالمي وتفوق بحدتها تداعيات انهيار بنك «ليمان براذرز» الأميركي الذي أطلق شرارة الأزمة المالية عام 2008. وتطالب وزارة العدل الأمريكية «دويتشه بنك» -وهو أكبر بنك ألماني ومقره فرانكفورت- بدفع هذا المبلغ لتسوية دعاوى ضد البنك تتهمه بالتضليل في بيع أوراق مالية مدعومة برهونات عقارية قبل أزمة عام 2008. وأصبح مصير هذا البنك العملاق الذي تأسس عام 1870 معلقا الآن بسؤال هو: هل ينجح مجلس إدارته الذي سافر إلى واشنطن بمسابقة الزمن قبل الانتخابات الأمريكية، والاتفاق مع إدارة الرئيس باراك أوباما على تخفيض الغرامة إلى نحو الثلث أم تبقى هذه الغرامة كما هي؟ وأعقب الإعلان عن الغرامة الأمريكية الشهر الماضي خسارة دويتشه بنك أربعة مليارات يورو (4.4 مليارات دولار) من قيمته السوقية نتيجة انهيار سعر سهمه الواحد في البورصة إلى ما دون عشرة يوروات بعد أن كان ثلاثين يورو ببداية العام. خسارة وغرامات وتزيد الغرامة الأمريكية تعقيد مشكلات يواجهها دويتشه بنك الذي سجل العام الماضي خسارة فادحة بلغت 6.8 مليارات يورو (7.6 مليارات دولار)، وسدد خلال الفترة بين عامي 2012 و2015 غرامات مخالفات قانونية بقيمة 12.7 مليار يورو (14.2 مليار دولار) التهمت ما حققه من أرباح. واتخذ البنك العام الماضي إجراءات واسعة للتقشف وإعادة الهيكلة شملت إغلاق مائتي فرع من مجموع 723 فرعا له في ألمانيا، وإلغاء تسعة آلاف وظيفة ثابتة، وستة آلاف وظيفة بعقود في أنحاء العالم حتى عام 2020. وبمواجهة الأقاويل المثارة بشأن تردي أوضاع المصرف بتداعيات الغرامة الأمريكية سعى الرئيس التنفيذي الجديد لـ«دويتشه بنك» جون كريان لطمأنة مئة ألف من موظفيه حول العالم (منهم 67 ألفا في ألمانيا) عبر رسالة داخلية. وقال كريان في الرسالة: إن البنك يقف على أرضية صلبة بعشرين مليون عميل حول العالم (منهم ثمانية ملايين بألمانيا)، وأرصدة بقيمة 249 مليار يورو (278 مليار دولار)، غير أنه «ضحية لقوى في السوق تحاول تقويض الثقة به». هل تتدخل ميركل؟ وأصم المستثمرون وعملاء البنك من الشركات وأصحاب الأسهم آذانهم عن تأكيدات كريان باستقرار الأوضاع، وزاد وضع البنك حرجا بسحب صناديق تحوط جزءا من أرصدتها، وانتشار شائعات بشأن طلب المصرف مساعدات من حكومة المستشارة أنجيلا ميركل لتجاوز أزمته الراهنة، وهو ما نفته الحكومة الألمانية ورئيس البنك. ورغم تحذيرات مؤسسات مصرفية عديدة من خطورة تفاقم مشكلات دويتشه بنك ونظرة صندوق النقد الدولي إليه هذا الصيف باعتباره «البنك الأكثر خطورة» على النظام المالي العالمي كله فإن رئيسة قسم الأبحاث بمعهد الاقتصاد الألماني الأستاذة دوروتيا شيفر استبعدت إفلاس البنك. وقالت شيفر للجزيرة نت إن لدى دويتشه بنك وفرة بالسيولة المالية تكفي لمواجهة ضغوط مالية حادة لشهرين، ويمكنه بحالة استثنائية الحصول على مساعدة من الحكومة الألمانية. ورأت أن ضخامة حجم المصرف وتشعب معاملاته عبر العالم يجعلان انهياره مستبعدا، مشيرة إلى أن إفلاس البنك سيقود لتداعيات سلبية هائلة لن يسمح بها مسؤولو السياسات المالية في أوروبا الرافضون تكرار كارثة «ليمان براذرز» بالقارة. وتبلغ قيمة أصول دويتشه بنك 1.629 تريليون يورو. مشتقات معدومة ويشير المحلل المالي في بورصة فرانكفورت للأوراق المالية الطيبي سعداوي إلى تعدي مشكلة دويتشه بنك مخالفاته القانونية وغراماتها الأمريكية إلى مشكلات أخرى أكثر تعقيدا تتعلق بمشتقات مالية عبارة عن أسهم واستثمارات بمحافظ صناديق سيادية وأنشطة تأمينية تبلغ قيمتها 46 تريليون يورو. وأوضح سعداوي أن مشكلة هذه المشتقات التي تعادل قيمتها 15 ضعف إجمالي الناتج السنوي لألمانيا البالغ ثلاثة تريليونات يورو هو أن جزءا منها معدوم رغم تسجيله بقيم دفترية ما. وكشفت إحصائية لمعهد «إيمنيد» رفض 69% من الألمان مقابل تأييد 21% مساعدة الحكومة الألمانية دويتشه بنك من أموال دافعي الضرائب. وقال سعداوي إنه رغم هذا الرفض الشعبي وما يثيره من خوف المسؤولين الألمان بشأن الحديث عن مساعدة البنك قبل عام من انتخابات برلمان البلاد (بوندستاغ) فإن حكومة ميركل قد تجد نفسها في النهاية مرغمة على مساعدة المصرف. ورغم إشارة سعداوي إلى وجود مصلحة للأمريكيين بإضعاف أكبر بنك ألماني فإنه لا يستبعد حل مشكلة البنك إن نجحت ألمانيا بالضغط بقوة على واشنطن، وجعلتها تقبل بتخفيض كبير بالغرامة.
مشاركة :