أعرب رئيس اللجنة الوطنية للأوقاف بمجلس الغرف السعودية بدر بن محمد الراجحي عن تفاؤله بمستقبل الأوقاف خصوصاً في ظل ما نصت عليه رؤية 2030 على أن الدولة ستواصل تشجيع الأوقاف لتمكين القطاع غير الربحي من الحصول على مصادر تمويل مستدامة، وهذا يعطي مؤشرا قويا لزيادة فاعليتها. وأكد الراجحي خلال حوار خاص لـ «اليوم»، أن منح تراخيص من وزارة التجارة والاستثمار للمؤسسات والشركات الوقفية حفز كثيرا من المحسنين والموسرين بالتوجه لإنشاء مؤسسات وقفية تقوم بأدوار استثمارية وتنموية. وفيما يلي نص الحوار: ما هو الوقف وما دوره وتطوراته؟ الوقف نموذج إسلامي متميز ومتفرد، منذ عهد النبوة إلى وقتنا الحاضر وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم من الذين كانت لديهم القدرة على الوقف أوقفوا، وهو نظام اقتصادي اجتماعي أسهم إسهاما فاعلا في التنمية، وكان له دور كبير على مر التاريخ في المجالات التنموية والاقتصادية، ولقي عناية كبيرة من قبل الحكام على مر التاريخ. ومفهوم الوقف باختصار هو حبس الأصل وتسبيل المنفعة، وهو بذلك يخرج من ملك الشخص كالعقار أو الأسهم أو المزارع أو الشركات أو غيرها إلى ملك الله تعالى، إذ لا يمكن بيع الأصل أو التصرف فيه إلا إذا كان هناك مصلحة راجحة للوقف وفق ضوابط معتبرة في هذا المجال. وقد مرت الأوقاف بحالات ازدهار وأخرى اندثار، وهذا يرجع إلى الظروف الإدارية والاجتماعية والاقتصادية في تلك الأوقات، وهناك نماذج كثيرة مشرقة لتنوع الأوقاف وتعدي نفعها ومنها: بئر عثمان رضي الله عنه، وعين زبيدة بمكة، وجامع الأزهر بمصر، وجامع الزيتونة بتونس، ووقف الملك عبدالعزيز - رحمه الله- في وقتنا الحاضر وغيرها كثير. ما هي أنواع الأوقاف؟ أنواع الأوقاف متعددة وهي: الوقف الذري، وهو أن يوجه ريع الوقف في الذرية والأقارب، وهو الأشهر. الوقف الخيري، وهو أن يوجه ريع الوقف على أوجه البر العامة كالفقراء والمساكين والغارمين والأرامل والمطلقات والمرضى، وطباعة الكتب... وغيرها. الوقف المشترك، وهو بين الاثنين الوقف الذري والخيري، إذ هناك مصارف خاصة بالذرية والأقارب، ومصارف أخرى على أوجه البر العامة أو المخصصة. ومن المهم أن يتعرف الناس على أنواع الأوقاف وكيفية صياغة الصكوك الوقفية بالاعتماد على جهات استشارية وخبراء في مجال الأوقاف لأن صك الوقفية يعد ركيزة أساسية من ركائز الأوقاف. كيف ترون ثقافة الأوقاف بالمجتمع السعودي؟ كادت ثقافة الأوقاف أن تندثر في المجتمع؛ نظرا لغياب الجهات المرجعية والمهتمة في هذا المجال، وأيضا نتيجة لضعف إدارة وتنمية الأوقاف في فترة من الفترات، وهذا يعود لعوامل كثيرة.. أهمها: ضعف صياغة صكوك الوقفية ووجود ناظر واحد، وكذلك عدم التنوع في أعيان الوقف، وعدم التنوع في المصارف وغيرها من الأسباب. وفي الآونة الأخيرة ونتيجة لتنامي رؤوس الأموال ووجود جهات تهتم بالأوقاف، وتعمل على نشر ثقافتها ومنها: لجان الأوقاف في الغرف التجارية، وكذلك إقامة المؤتمرات المتخصصة في هذا المجال، والتي يتم عقدها بين حين وآخر، وأيضا التنسيق والتعاون بين مختلف الجهات ذات العلاقة، وهذا بدوره أحدث حراكاً كبيراً في المجتمع، مما أسهم في نشر هذه الثقافة بين رجال وسيدات الأعمال وكذلك مختلف فئات المجتمع. كما أن تطور العمل الخيري واتساعه جعل وجود أوقاف تحقق الاستدامة المالية للجمعيات أمرا ضروريا نظرا لاتساع رقعة المستفيدين من خدمات هذه الجمعيات، كما أن تطور فكر رجال الأعمال ونظرتهم الاستشرافية المستقبلية جعلهم يتجهون نحو وجود مصادر للتمويل دائمة بدلا من العطاء الرعوي المنقطع الذي ينتهي مع وفاة المحسن. وهنا أشير إلى أهمية دور الإعلام وأثره فـي تغيير ثقافة الناس تجاه الوقف، فالإعلام شريك إستراتيجي في تنمية وإدارة الوقف، ففي عصر الإعلام والاتصال أصبح من الأهمية بمكان استغلال كافة قنوات الاتصال والإعلام للتعريف بالوقف واستثماراته عبر خطط وبرامج مشتركة بين الإعلام وإدارات الأوقاف الحكومية والأهلية؛ لإبراز الأثر وتوفـير المعلومات اللازمة عنها. كيف ترون ثقافة الأوقاف في الأوساط الإسلامية؟ تتفاوت ثقافة الأوقاف في البلاد الإسلامية نظرا للاهتمام والعناية والتنظيم الذي تجده، ودول الخليج تعد متقدمة في هذا الجانب في مجال الأنظمة والتشغيل والإدارة، نظرا لوجود رؤوس أموال كبيرة وكذلك وجود جهات إشرافية وقضائية تسهم في الحفاظ على الأوقاف وإثباتها والإشراف عليها. وهناك دول أخرى اندثرت فيها ثقافة الأوقاف نظرا للإشراف الحكومي المباشر عليها أو سن بعض القوانين التي عطلت الأوقاف وحجمت منها، ومن أثرها وفاعليتها. ونرى أن ثقافة الأوقاف في العالم الإسلامي تحتاج إلى تعزيز نظرا لما مرت به من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية أثرت وبشكل كبير على الأوقاف، حيث قامت بعض الدول بتأميم الأوقاف ووضع قيود عليها مما جعل كثير من الراغبين في الوقف لا يتوجهون نحو الوقف، والاحصاءات خير شاهد على ذلك ؛ إذ قل عدد الأوقاف في إحدى الدول العربية في فترة من الفترات إلى أقل من 5 أوقاف بعد أن كان قد وصل إلى أكثر من 150 وقفا في السنة نظرا للتنظيمات التي صدرت حول الأوقاف فيها. وتوجد نماذج مشرقة في العالم الإسلامي للأوقاف وخاصة في تركيا وماليزيا اللتان تعدان رائدات في هذا المجال. كيف ترونها بالمستقبل؟ في ظل وجود رؤية واضحة للدولة والتي تم الإعلان عنها مؤخرا وهي رؤية السعودية 2030 والتي كان من أبرز معالمها هو التحول في الاعتماد على المصادر غير النفطية وتنوع مصادر الدخل، كان القطاع الثالث والتي تعد الأوقاف أحد مكوناته الأساسية حاضرا في أحد أبواب الرؤية، إذ أشارت وثيقة الرؤية إلى أن نظام الهيئة العامة للأوقاف سيسهم في تمكين القطاع غير الربحي، كما أنه تم التطرق إلى أهمية وضرورة تعظيم الأثر الاجتماعي للقطاع غير الربحي، وأن الدولة ستعمل على أن يكون القطاع حاضرا وفاعلا بشكل أكبر في مجالات الصحة والتعليم والاسكان والأبحاث وغيرها. كما أنه سيتم العمل على توسيع نطاق عمل المؤسسات غير الربحية، وأن هناك تسهيلات لتأسيس منظمات غير ربحية للميسورين والشركات لتفعيل دورها في المسؤولية المجتمعية. كما نصت الرؤية على أن الدولة ستواصل تشجيع الأوقاف لتمكين القطاع غير الربحي من الحصول على مصادر تمويل مستدامة، وهذا يعطينا نظرة تفاؤلية بمستقبل الأوقاف وزيادة فاعليتها وإسهاماتها وشراكتها الفاعلة والدائمة في تحقيق هذه الرؤية. والأوقاف تعد أحد روافد الدولة الهامة والتي تعمل في البناء وقد أثبتت التجربة التاريخية الدور الكبير والعطاء المتميز للوقف كمصدر اقتصادي؛ لتنمية المجتمعات الإسلامية، وقاعدة صلبة من قواعد بنائه، ودعم إمكانياته البشرية والمادية. وبناء على ما سبق فهي تفرض نفسها على خريطة التقسيمات كقطاع ثالث بعد الحكومي والخاص، لذا فاستمرارها ونموها وتزايدها بكل تأكيد دليل على الخيرية والتكافل على كافة المستويات. هل هناك دورات متخصصة للعاملين في مجال الأوقاف؟ مما لا شك فيه أن المورد البشري يعد أحد المحركات الأساسية في تطوير وتنمية الأوقاف، وهذا يتطلب عوامل كثيرة للإسهام في تمتين وتمكين القطاع ومنها: استقطاب الكفاءات البشرية المؤهلة والمتخصصة في المجالات المختلفة: في الأنظمة، والاستثمار، والإدارة، وفي العمل الاجتماعي وغيرها. وكذلك العمل على تأهيل وتدريب العاملين في هذا القطاع، من خلال رصد الاحتياجات التدريبية لهم، وإعداد الحقائب المناسبة التي تعتمد على الجوانب النظرية والعملية، والاستعانة بمدربين أكفاء لديهم خبرة كبيرة في تلك المجالات. وسبق للجنة الأوقاف في غرفة الرياض إطلاق برنامج تدريبي متخصص في مجال الأوقاف بالتعاون مع أحد المراكز المتخصصة في هذا المجال. كما أن اللجنة الوطنية للأوقاف وقعت مؤخرا اتفاقية مع الجمعية العلمية القضائية السعودية لتدريب وتأهيل قضاة دوائر الوصايا والأوقاف وأعوانهم مما سيسهم مستقبلا في تطوير ونمو هذا القطاع وزيادة فاعليته. كم عدد الأوقاف الموجودة بالمملكة؟ لا توجد إحصائية دقيقة عن حجم الأوقاف في المملكة حاليا، إلا أن وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد صرح بأن عدد الأوقاف التي تشرف عليها الوزارة أكثر من 120 ألف وقف ما بين صغيرة وكبيرة جدا، هذا غير الأوقاف الأهلية التي أنشأها رجال وسيدات الأعمال وأوقاف الجمعيات الخيرية التي أصبحت تملك أصولا كبيرة في الوقت الحالي، أسهمت في تحقيق الاستدانة المالية لها. ولعل الهيئة العامة للأوقاف تكون إحدى الجهات التي ستعمل - بمشيئة الله- على الحصر وتكوين مراكز معلومات تكون مرجعية لكثير من الجهات حول عدد الأوقاف وحجمها وعوائدها التنموية على البلد. هل زادت الأوقاف عن السنوات الماضية؟ وما مقدار نسبة زيادتها إن وجدت؟ نعم، نظرا لانتشار ثقافة الأوقاف في الفترة الأخيرة، وتنامي رؤوس الأموال وزيادة الاحتياجات الاجتماعية واتساع رقعة القطاع الخيري ومنافذه، مما شجع المحسنين على التوجه نحو الأوقاف لخدمة المجتمع بشكل أكبر، وتلبية احتياجاته. كما أن منح تراخيص من وزارة التجارة والاستثمار للمؤسسات والشركات الوقفية حفز كثيرا من المحسنين والموسرين بالتوجه لإنشاء مؤسسات وقفية تقوم بأدوار استثمارية وتنموية. ونعتقد أن ملتقى الأوقاف السنوي الذي تنظمه الغرفة التجارية بالرياض أسهم وبشكل فاعل في لفت الانتباه إلى هذا القطاع وتقديم نماذج متميزة ساعدت في زيادتها ورغب الناس في الوقف لأنه حسن الصورة الذهنية للأوقاف، من خلال عرض تجارب وممارسات متميزة في هذا المجال. كيف تقيمون الوعي المجتمعي من حيث صيانة الأوقاف وما يتعلق بها؟ نظرا لصياغة الصكوك الوقفية القديمة، والتي في أغلبها لا تشتمل على مصاريف الصيانة والتشغيل والإدارة وغيرها، ولصعوبة إجراءات التعديل في صكوك الوقفية وعدم منح الناظر كافة الصلاحيات التي تخوله إجراء التصرفات في الوقف التي تحقق للوقف الغبطة والمصلحة دون الرجوع للحاكم الشرعي. وهذا كان أحد العوامل التي أثرت على استمرار الأوقاف وهو سبب مباشر لاندثار كثير منها، ولكن في ظل وجود نماذج استرشادية في الوقت الحالي للوصايا والأوقاف والتي قامت على إعدادها لجنة الأوقاف بغرفة الرياض من خلال خبراء متخصصين في هذا المجال تضمنت كل ما يضمن استمرار وتنمية وأثر هذه الأوقاف. ومنها ما يتعلق بالصيانة حيث أكدت هذه النماذج على صيانة أعيان الأوقاف إن احتاجت لذلك وتخصيص مخصص لها من عوائد الأوقاف. كما أن الوعي المجتمعي لدى الواقفين والنظار وممارستهم المتميزة من خلال الاستثمارات التي يقومون عليها جعلهم يحرصون على نماء الأوقاف وزيادة عوائدها، من خلال العناية والاهتمام بها وصيانتها وتجديدها إن احتاجت لذلك ¿ هل تقدمون استشارات في هذا الجانب؟ من واقع موقعي كرئيس للجنة الوطنية للأوقاف بمجلس الغرف السعودية ورئيس للجنة الأوقاف في غرفة الرياض، ورئيس مجلس نظار أوقاف الوالد الشيخ محمد بن عبدالعزيز الراجحي - رحمه الله -، والإشراف على العديد من الأوقاف، كل هذه ولله الحمد أكسبتنا بفضل الله الكثير من الخبرة في المجال، والتي تحملني المسؤولية لأن أقدم كل ما في وسعي، وكذلك خبرتي في سبيل خدمة هذا القطاع. ومؤخرا حرصت أن أنقل تجربتي والتي امتدت لأكثر من 20 عاما في هذا المجال من خلال كتاب «تجربتي مع الوقف». وأشير إلى أن لجنة الأوقاف في الغرفة التجارية في الرياض لديها هاتف استشاري متخصص في هذا المجال، يقدم خدمات استشارية في مجالات: تأسيس الأوقاف وأنظمتها واستثماراتها وإدارتها وتشغيلها والمصارف الخيرية. ¿ هل نواجه حاليا مشكلة تتعلق بالأوقاف؟ وما أسبابها؟ لا أعتقد ذلك، بل هي فرصة في ظل وجود التنظيم وانتشار الثقافة، ووجود لجان للغرف ومكاتب استشارية ووعي مجتمعي ونماذج وممارسات متميزة يحتذى بها للعديد من المؤسسات الوقفية؛ كل هذه فرص لزيادة فاعلية القطاع من خلال التنسيق والتكامل مع مختلف الجهات ذات العلاقة، كما أن وجود التفاعل من قبل الجهات الحكومية كوزارة العدل مثلا، والتي تعمل على تسهيل إجراءات الوقف والتنسيق والتعاون مع اللجنة الوطنية للأوقاف بمجلس الغرف؛ سيسهم في تحويل المشكلة إلى فرصة.
مشاركة :