عندما يأتي رؤساء الدول لزيارة مقر فيسبوك في وادي السليكون، مارك زوكربيرج يحب أن يمنحهم جهاز سماعة الواقع الافتراضي "أوكيولوس ريفت" Oculus Rift، لتجربته. مارس مؤسس الشبكة الاجتماعية لعبة تنس الطاولة مع قادة العالم، من خلال الواقع الافتراضي، وربما حتى لعبة إطلاق النار "اعتمادا على أي نوع من الزعماء يكون"، حسب ما قاله للمجتمعين في مؤتمر "أوكيولوس كونيكت" في وادي السليكون الأسبوع الماضي. في حديثه أمام مئات من مطوري برمجيات الواقع الافتراضي، أشار زوكربيرج إلى حادثة وقعت لأحد رؤساء الوزراء عندما صرخت عليه زوجته لأنه رفض العودة إلى العالم الواقعي، واللحاق برحلة طائرة العودة إلى الوطن. وهتف الزعيم الذي لم يُكشف عن اسمه، وفقا لزوكربيرج، قائلا: "قيل لي إن هناك ديناصورا! أين هو الديناصور؟". في حين أنه لا يزال أساسا هواية مكلفة، إلا أن الواقع الافتراضي لم يعد حكرا على أصحاب المليارات من أهل التكنولوجيا والنخبة. بعد عقود في مجال التطوير، فإن الفترة التي تسبق الاستعداد لعيد الميلاد ستشهد عددا من سماعات الواقع الافتراضي التي تباع للجمهور للمرة الأولى، بأسعار تراوح بين أقل من مائة دولار إلى ما يقارب ألف دولار. ورغم أنها لا تزال بعيدة جدا عن عائدات الهواتف الذكية التي تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليار دولار هذا العام، تقدر "جونيبر ريسيرش" أن خمسة مليارات دولار في مبيعات أجهزة الواقع الافتراضي في عام 2016 سوف تنمو عشرة أضعاف إلى أكثر من 50 مليار دولار بحلول عام 2021. وتشير توقعات إلى تقبل السوق العامة الذي أصبح ممكنا بفضل القدرة الأكبر على تحمل التكاليف ونضوج عملية تطوير الواقع الافتراضي التي تجعله أسهل استخداما وأكثر جاذبية للمستهلك. يقول جيسي شيل، وهو مصمم لعبة فيديو يعمل على الواقع الافتراضي منذ أوائل التسعينيات: "لقد عبرنا للتو عتبة ما تستطيع أن تفعله التكنولوجيا". وهو يقارن بين حال سوق الواقع الافتراضي مع ظهور "أتاري 800" أول مرة و"أبل 2" في أواخر السبعينيات، عندما وصلت أجهزة الكمبيوتر الشخصي لأول مرة إلى المنازل. ويتذكر: "كانت تلك الأشياء رائعة جدا بحيث أن الجميع يتحدث عنها، ثم أخذت الأسعار بالهبوط وكانت لدينا ثورة هائلة". ويتابع: "عيد الميلاد في عام 2016 مثل عيد الميلاد 1978 مرة أخرى". عندما اشترت فيسبوك أوكيولوس مقابل ملياري دولار في عام 2014، قال زوكربيرج: "لم يكن أحد قد باع مطلقا سماعة الواقع الافتراضي الاستهلاكية الحديثة". الآن، هناك اندفاع لهذه الأجهزة. بعد إطلاق "أوكيولوس ريفت" في آذار (مارس)، أطلقت جوجل سماعة الرأس "دايدريم فيو" Daydream View الأسبوع الماضي وسيتم طرح بلاي ستيشن الواقع الافتراضي من شركة سوني للبيع الخميس المقبل، ليتزامن مع موسم العطلات. كبار التنفيذيين في وادي السليكون مقتنعون بأن هذه التكنولوجيا على وشك أن تصل إلى التيار العام للسوق. قال زوكربيرج: "صناعتنا حققت مزيدا من التقدم في العامين الماضيين أكثر مما كان بإمكان أي واحد منا أن يأمل حقا". لكنه يعترف أيضا بأن "أوكيولوس كانت لها بداية بطيئة قليلا" في وقت سابق من هذا العام، عندما اصطدمت بقضايا الإنتاج. الآن تجري معالجة حالات التأخير هذه، لكنها تعني، وفقا لشركة آي إتش إس ماركيت للأبحاث، أن مبيعات أوكيولوس ريفت هذا العام يمكن أن تتفوق عليها بلاي ستيشن الواقع الافتراضي و"فايف" Vive التابعة لـ "أتش تي سي". يقول بيرس هاردينج رولز، مدير تحليل الألعاب في "آي إتش إس تكنولوجي" IHS Technology: "كانت لجهاز أوكيولوس ريفت بداية قلقة إلى حد ما"، مضيفا: "نحن ما زلنا نتحدث عن مئات الآلاف من الوحدات المباعة في مقابل الملايين". ولدى "آي إتش إس" توقعات أكثر تواضعا لإنفاق المستهلكين على سماعات الواقع الافتراضي، إذ تتوقع ارتفاعا من 1.6 مليار دولار، أو أربعة ملايين وحدة، في عام 2016 إلى 7.9 مليار دولار، 81 مليون جهاز، في عام 2020. وتشمل هذه الأرقام سماعات الواقع الافتراضي المحمولة مثل "جير في آر" Gear VR التابعة لسامسونج، و"دايدريم" التابعة لجوجل، التي تعتبر أرخص بكثير من "ريفت" أو "فايف" لأنها تستخدم الهاتف الذكي للعرض والقدرة الحاسوبية. ويقع جهاز شركة سوني "بلاي ستيشن الواقع الافتراضي" الذي يبلغ سعره 400 دولار، الذي يعمل مع منصات أكثر من 40 مليون جهاز "بلاي ستيشن 4"، في مكان ما بين السماعات المحمولة المنخفضة التكلفة و"ريفت" التي تبلغ قيمتها 600 دولار، ويتطلب أيضا جهاز كمبيوتر يكلف عدة مئات من الدولارات. أندرو هاوس، الرئيس التنفيذي للترفيه التفاعلي في شركة سوني، قال لـ "فاينانشيال تايمز" هذا الأسبوع: "أعتقد أن هذا حقا علامة فارقة للمكان الذي يحتمل للواقع الافتراضي أن يبدأ عنده دخول التيار العام". ويضيف هاوس أن الطلبات التي تم تلقيها مقدما لبلاي ستيشن الواقع الافتراضي كانت "إيجابية للغاية (...) أعتقد أن الإقبال على المنتج سيكون جيدا جدا في الواقع". لكنه يعترف بأن توقع الطلب على نوع من المنتجات بعلامة تجارية جديدة كان "صعبا للغاية". ويتابع: "أنت تحاول أساسا تحقيق التوازن بين ما كان سنة من اهتمام وسائل الإعلام المكثف (...) مع حقيقة أن هذا يعتبر نوعا جديدا جدا من التفاعل مع المنتجات. هذا في الحقيقة شيء تضعه على رأسك من أجل الحصول على هذه التجارب". وكثير من التركيز في هذه الصناعة كان حتى الآن على التأكد من أن السماعات مريحة وسهلة المنال بما فيه الكفاية بالنسبة للمستهلكين العاديين، وليس فقط لمحبي ألعاب الفيديو. يقول كلاي بافور، رئيس الواقع الافتراضي في جوجل: "إنها واحدة من تلك الأشياء التي ربما نعتبر أنها بدهية حين ننظر إليها بعد مرور فترة زمنية". ويضيف: "الأمر يتعلق بمدى الراحة التي تبنى بها أقنعة النوم وأقنعة التزلج. أنت لا تبدأ من الأشياء نفسها التي يصنع منها جهاز الفيديو القديم". ويعتقد بافور أن تصميم النسيج، إلى جانب ضبط برمجيات أندرويد والعرض في الهاتف الذكي الجديد، بيكسل للواقع الافتراضي، سيمكن الناس من قضاء فترة أطول في الواقع الافتراضي مما كانوا يفعلون مع جهاز جوجل السابق، "كاردبورد" Cardboard المنخفض التكلفة. لكنه يحذر قائلا: "سوف يستغرق الأمر سنوات طويلة لهذه التكنولوجيا حتى يكتمل نضجها ويصل المحتوى إلى المستوى المأمول". ويتفق محللون على أن أي شركة تعمل في الواقع الافتراضي من المرجح أن تكون في "مرحلة الاستثمار" لبعض الوقت. يقول بن وود من "سي سي إس إنسايت" CCS Insight: "إن الأمر فقط أنها ليست تكنولوجيا سائدة في الوقت الراهن. إنها لا تبدو مناسبة، والتجربة ليست جيدة بما فيه الكفاية، وهي باهظة الثمن. لكن الإمكانات غير محدودة، وهذا هو السبب في أن الكثير من الناس يحاولون تحقيق المستحيل". حتى بعض العاملين في صناعة الواقع الافتراضي يشعرون بالقلق من إمكانية أن يُنظَر إليها على أنها بدعة، وليست شيئا سيصبح على نطاق واسع مثل وحدة تحكم الألعاب أو الهاتف الذكي. مورين فان، الرئيسة التنفيذية لشركةBaobab Studios، مطور رسوم الواقع الافتراضي المتحركة Invasion! ، تتوقع "طريقا وعرا طويلا". وتقول: "توجد حاجة إلى أن يكون هناك المزيد من المحتوى للواقع الافتراضي حتى يصبح حقا ضخما. نحن نحاول تلبية هذه الحاجة في أسرع وقت ممكن. عندما تتراجع الحداثة، الشيء الذي يظل مهما للناس هو القصة والشخصيات". في حدث المطورين الأسبوع الماضي، أظهرت "أوكيولوس" الشبكات الاجتماعية داخل الواقع الافتراضي كوسيلة لجذب المزيد من المستهلكين. التقط زوكربيرج صورة شخصية "آفاتار"، مع صورة 360 درجة لكلبه، جنبا إلى جنب مع مكالمة فيديو من زوجته، لتوضيح الوضع الذي ستبدو عليه التجربة الاجتماعية في الواقع الافتراضي. يمكن للتطبيقات الموجودة في فيسبوك أن تساعد أيضا على بناء وعي الناس بالواقع الافتراضي. نيت ميتشل، نائب رئيس المنتجات في "أوكيولوس"، يأمل أن تعمل قدرة المنتج على التشبيك مباشرة في تغذية أخبار فيسبوك، التي لديها 1.7 مليار مستخدم نشط شهريا، على المساعدة في نقل الواقع الافتراضي إلى جمهور أوسع. ويقول: "أحد الأشياء التي تعتبر تحديا هي أن نظهر للناس ما هو الواقع الافتراضي؟ هذا يساعد على تأجيج الحماس". ويضيف أن تطبيقات أوكيولوس توسعت إلى ما وراء الألعاب الرائجة المليئة بالانفجارات، لتشمل عرض المحتوى الذي يروق لجمهور أكثر تنوعا بكثير، ابتداء من التعليم إلى الفن، مشيرا إلى أن أوكيولوس تستثمر 500 مليون دولار في مطوري المحتوى لضمان موْرد ثابت للألعاب والتطبيقات الجديدة المختصة بالواقع الافتراضي. ويتابع: "عموما نحن ما زلنا نستثمر أكثر مما نحقق الأرباح، وعلى مستوى عال. الأمر لا يزال في الأيام الأولى. لا يزال هناك الكثير من الابتكارات في الأجهزة والبرمجيات التي يجب أن تحدث". ويقول ميتشل إنه بالنظر إلى النطاق الهائل لأعمال الإنترنت في فيسبوك "ستمر فترة من الزمن قبل أن نصل إلى المكان الذي نصبح فيه ذلك المولِّد الهائل للأرباح. فترة عيد الميلاد المقبل ليست بأية حال هي العامل الذي يحدد نجاح أو فشل ريفت. لكننا في وضع يجعلنا نتمتع بموسم عطلات لا يصدق".
مشاركة :