بدأ أعضاء رئيسون في مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف أمس، مباحثات بشأن كيفية تناول الدول الأعضاء الـ 159 ملف الخدمات كجزء من برنامج عمل مستقبلي لدفع جولة مفاوضات الدوحة التجارية المتعثرة. وعلمت "الاقتصادية" أنَّ نتائج باكورة المباحثات أدت إلى توصُّل الوفود إلى "اتفاق عام" يقضي بعدم ربط مفاوضات اتفاقية الخدمات بشرط تحقيق تقدم في مفاوضات التعريفات الجمركية الزراعية والصناعية، وهو ما اعتُبِرَ نصراً واضحاً للدول المتقدمة. وجاءت المباحثات الرسمية هذه بعد أن عقد، فرناندو دي ماتيو، سفير المكسيك لدى المنظمة، ورئيس مفاوضات الدوحة بشأن الخدمات، اجتماعاً تمهيدياً يوم 24 شباط (فبراير) الماضي مع سفراء نحو 30 دولة عضو يطلق عليها اسم "مجموعة إنشيلادا" حول كيف ينبغي معالجة ملف الخدمات في برنامج العمل المستقبلي. وتضم المجموعة الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين، البرازيل، الهند، واليابان وغيرها من البلدان المتقدمة والناشئة، وقال مسؤولون حضروا الاجتماع إن السفراء أعلنوا استعدادهم للمشاركة الإيجابية للنهوض بمفاوضات الخدمات، وأبدوا رغبتهم في الوصول إلى نتيجة في ملف الخدمات قابلة للتنفيذ وذات مغزى على حد سواء، وأن يكون مستوى الطموح في الخدمات مواكباً لطموح الملفات الأخرى المتعلقة بحرية الوصول إلى الأسواق بصفر من التعريفات الزراعية والصناعية. وشدَّد هؤلاء أيضا على حصول اتفاق بين السفراء الثلاثين أكدوا فيه أنه لا ينبغي بعد الآن وضع سير مباحثات الخدمات على "الحركة البطيئة"، بل ينبغي، بدلاً من ذلك، أن تتقدم بالوتيرة نفسها لتلك المتعلقة بالركنين الآخرين للمفاوضات، أي التعريفات على الزراعة والصناعة. وبهذا الموقف تكون منظمة التجارة قد تخلت عن قرار رسمي سابق توصلت إليه خلال الاجتماع الوزاري في هونج كونج عام 2005 تحت ضغط الدول النامية بإعطاء التعريفات الزراعية والصناعية "الأولوية في مفاوضات الدوحة". وظهرت خلال جلسة اليوم مناقشة قصيرة حول البنود التي ينبغي أن توضع على جدول أعمال المفاوضات. وقالت عدة وفود خلال الاجتماع، إنَّ الخدمات المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية، والتقنية الخضراء ينبغي أن تكون محورا للمفاوضات المقبلة، بينما عارضت الهند هذا الاتجاه، قائلة إنه ينبغي للمتفاوضين ألا يقوموا بدور "جامعي الكرز" بالتقاطهم الجيد وترك الباقي، وهو قول عادة ما يستشهد به سفير الهند خلال اجتماعات المنظمة في إشارة إلى رفض انتقاء البنود خلال التفاوض. ودفعت الهند بقوة نحو "تطوير وتحسين" بعض البنود المتناثرة في قوانين المنظمة المتعلقة بحرية عبور الحدود للمهنيين والعمالة الماهرة، ساندتها في ذلك الفيلبين، وبنجلادش ودول آسيوية أخرى. ورد بعض أعضاء المنظمة بأن هذا الموضوع لا علاقة له بالملفات الثلاثة قيد النقاش، مؤكدين أنه ينبغي ألا يكون حائلاً أمام تقدم المفاوضات، وعن هذا الموضوع، ذكر سفير ألمانيا مازحاً، أنه بهذه الملاحظة، قام زميلي سفير الهند بدور "جامع الكرز". وجاء هذا الاجتماع في ضوء دعوة المؤتمر الوزاري في بالي، إندونيسيا، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي الدول الأعضاء لإعداد برنامج عمل واضح خلال الأشهر الـ 12 المقبلة يتناول ملفات "جولة الدوحة" المتبقية. ودعا روبرتو أزيفيدو المدير العام للمنظمة، في 6 شباط (فبراير) الماضي رؤساء لجان مفاوضات الدوحة الآخرين، للتشاور مع أعضاء المنظمة بشأن برنامج العمل بعد بالي، وتقديم ردود الفعل الأولية إلى اجتماع المجلس العام في 14 آذار (مارس) الجاري. وعلمت "الاقتصادية" أن اجتماع 24 شباط (فبراير) تطرق أيضا إلى ما وصفه سفير الأرجنتين بـ "الفيل في غرفة الخزف"، وأن الفيل هو "تيسا"، في إشارة إلى مفاوضات جانبية منفصلة تجري بين 23 دولة غنية من أعضاء المنظمة حول "اتفاقية تجارة الخدمات، الشهيرة باسم "تيسا" المتأتي من المسمي المختصر للمفاوضات باللغة الإنجليزية. وقدم الإسباني أنخيلوس بانخراتيس ممثل الاتحاد الأوروبي لدى المنظمة، قراءات للوفود بشأن التقدم المحرز في الجولة الأخيرة من مفاوضات تيسا، التي انعقدت في 17 - 24 شباط (فبراير) الماضي واستضافها الاتحاد الأوروبي في مقر بعثته التجارية في جنيف. وقال المشاركون في الاجتماع إنهم جميعا ملتزمون بالتوصل إلى نتائج متعددة الأطراف في مجال الخدمات من خلال منظمة التجارة، على الرغم من أن الولايات المتحدة قالت إن الأولوية بالنسبة لها إبرام صفقة "تيسا". وأطلِقَت مفاوضات "تيسا" في أوائل عام 2012 من قِبل أنصار تحرير الخدمات إثر استمرار الجمود في مفاوضات الدوحة ورداءة عروض حرية الوصول إلى سوق الخدمات التي وُضِعت على الطاولة عندما كانت محادثات الدوحة في أوج نشاطها. وواجهت المبادرة مقاومة من الأسواق الناشئة الكبرى مثل الصين، والبرازيل، والهند وجنوب إفريقيا، التي حذرت من أن "تيسا" ستضر بالجهود الرامية إلى أحياء جولة الدوحة وتقويض النظام التجاري المتعدد الأطراف على المدى الطويل. لكن مع ذلك، قامت الصين بتغيير خط سيرها، وتقدمت بطلب في أيلول (سبتمبر) الماضي للانضمام إلى مفاوضات "تيسا"، قائلة إنها تقر بهدف المفاوضات للوصول إلى اتفاق خدمات جديد بمستو عال من الطموح، مشيرة إلى أنها تتمتع الآن بثالث أكبر سوق للخدمات في العالم، وأن مشاركتها في "تيسا" ستساعد على دفع المفاوضات إلى الأمام. وذكر سفراء أن الانتقادات السابقة لمفاوضات "تيسا" كانت غائبة عن جلسة 26 شباط (فبراير) لمجلس المنظمة حول التجارة في الخدمات، ورغم ذلك، فإن الصين لا تزال ليست عضوا في هذه المباحثات، في وقت تصر الولايات المتحدة على أن محاولة بكين للانضمام إلى مفاوضات "تيسا" بحاجة إلى مراجعة دقيقة من أجل ضمان أن تكون الصين على استعداد لقبول الطموحات نفسها للدول الأعضاء في كيفية تحرير تجارة الخدمات. والدول المشاركة في المفاوضات، هي الولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا، وشيلي، وكولومبيا، وكوستاريكا، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وهونج كونج، وأيسلندا، واليابان، وليختنشتاين، والمكسيك، ونيوزيلندا، والنرويج، وبنما، وباكستان، وباراجواي، وكوريا الجنوبية، وسويسرا، وتايوان. وأفاد دبلوماسي شارك في المحادثات بأنه يبدو أن الولايات المتحدة تزداد عزلة في معارضتها دخول الصين لمفاوضات "تيسا"، حيث لم تنضم إليها في هذا التحفظ سوى كندا، وعلى النقيض من ذلك، وقفت شيلي في مقدمة المنتقدين لتأخير انضمام الصين، قائلة إنه سيؤثر سلبا في الجهود الرامية لتشجيع بلدان أخرى الانضمام إلى المفاوضات.
مشاركة :