ليبيا بين سندان الصراع الداخلي ومطرقة أطماع الخارج

  • 10/13/2016
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

د. هشام بشير* تستمر التصريحات من جانب فرقاء الداخل والخارج حول أهمية تحقيق المصالحة السياسية ووحدة الأراضي الليبية وتكوين جيش وطني موحد، بينما تتعقد الأوضاع على أرض الواقع بسبب مصالح وأطماع القوى الإقليمية والدولية المساندة لبعض الأطراف الداخلية الطامعة في تحقيق مكاسب شخصية وقبلية على حساب وحدة الأرض والأمن والاستقرار. أضحت الدولة الليبية أسيرة سندان غياب التوافق بين فرقاء الداخل ومطرقة أطماع القوى الخارجية سواء الإقليمية أم الدولية، هذا في الوقت الذي لا زالت تتوالى المبادرات والمقترحات الإقليمية والدولية لحلحلة الأزمة المستعصية، وكان آخرها ما أعلنت عنه وزارة الخارجية الفرنسية من أن هناك اجتماعاً دولياً حول ليبيا سيعقد في باريس على مستوىً عالٍ من الشركاء الأساسيين الدوليين دون أن تحددهم، كما أوضح البيان أن الاجتماع يأتي على خلفية زيارة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لباريس ولقائه الرئيس فرانسوا هولاند، موضحاً أن الاجتماع سينصبّ جل اهتمامه على دعم الحكومة الليبية المقترحة ووحدة وأمن واستقرار الأراضي الليبية. وفي إطار دعم المصالحة الليبية دعا مارتن كوبلر، المبعوث الأممي إلى ليبيا - في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي - إلى إنشاء جيش قوي وموحد في ليبيا يكون هناك دور للمشير خليفة حفتر فيه، مشدداً على أن هناك أهمية قصوى على تكوين الجيش القوي والموحد، لافتاً إلى أن مدة اتفاق الصخيرات لن تتعدى سنتين، حيث سيحل محله الدستور الليبي، معتبراً أن الاجتماع الدولي المزمع عقده في باريس قد جاء في الوقت المناسب لمناقشة المسائل ذات الأولوية لحل الأزمة الليبية، خاصة ما يتعلق بالدعم الدولي لتنفيذ بنود الاتفاق السياسي، وقد سبق تلك التصريحات بأيام قليلة وأمام اجتماع لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تصريحات لكوبلر حذر فيها من انزلاق ليبيا مرة جديدة إلى الفوضى، مؤكداً أن الدولة الليبية أمام مأزق سياسي، ولا يجب التقليل من خطورة زيادة التوترات بالعاصمة طرابلس. ومن خلال القراءة المتأنية لتصريحات كوبلر، يبدو أن الأمور في ليبيا تتجه إلى مزيد من التعقيد والتشابك مع استمرار ضبابية المشهد السياسي بعد تغليب منطق القوة على حساب المصلحة العليا للوطن، وفي هذا الصدد أكدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 30 سبتمبر/ أيلول 2016 أن المشير خليفة حفتر جنرال ليبيا القوي قال مجدداً في تصريحات لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، إن ليبيا في حاجة إلى زعيم ذي خبرة عسكرية رفيعة، وأكدت الصحيفة الأمريكية التصريح - الذي أثار جدلاً واسعاً حول طموحات المشير حفتر في حكم ليبيا- وذلك على الرغم من نفي القيادة العامة للجيش الليبي هذا التصريح الذي نسبته الوكالة الأمريكية لحفتر، ونشرها ما اعتبرته النص الحرفي لتلك المقابلة. وعموماً فإن الحديث عن الطموحات الشخصية والقبلية لمن سيحكم ليبيا في المستقبل بات من الأمور المطروحة على الساحة الليبية خلال الفترة الماضية، فعلى سبيل المثال لا الحصر كشفت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي أن العمليات العسكرية في سرت كشفت صراعات أعمق في ليبيا، ففي الوقت الذي تواجه فيه حكومة الوفاق في طرابلس تحديات تهدد شرعيتها أمام الليبيين، هناك استعدادات لخوض حرب جديدة حول من يحكم كامل ليبيا، حيث نقلت الصحيفة الأمريكية عن مقاتلين من مدينة مصراتة ضمن صفوف قوات حكومة الوفاق الوطني أنهم يستعدون لخوض حرب أوسع حول من سيحكم الدولة الليبية، ونقلت الصحيفة نفسها توقعات مسؤولين بالأمم المتحدة ومراقبين أن هناك احتمالية أن تندلع حرب جديدة في ليبيا، مستبعدين أن تتمكن الدولة الليبية من الخروج سالمة من هذا الصدام المرجح. وبعيداً عن تقرير صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية فإن هناك مصادر ليبية تشير إلى أن مدينة الزنتان التي تحتفظ بسيف الإسلام القذافي - وسط أنباء عن كونه مسجوناً وأخرى تشير إلى كونه طليقاً ولكن تحت المراقبة - كورقة ضغط أو مناورة تبحث هي الأخرى عن فرصة مناسبة للانقضاض على العاصمة طرابلس، يضاف إلى تلك التطورات أن هناك أكثر من 26 مليون قطعة سلاح لا زالت متداولة في الأراضي الليبية على حسب التقديرات الدولية موزعة على حوالي 6 ملايين نسمة من أبناء الشعب الليبي وغيرهم من الجنسيات العديدة الأخرى التي يشارك بعضهم كمرتزقة. وفي تطور آخر، قد يعرقل خيوط المصالحة الليبية إقرار مجلس الاتحاد الأوروبي، الجمعة 30 سبتمبر/ أيلول 2016، تمديد العقوبات المفروضة على ثلاثة مسؤولين ليبيين كبار- وهم رئيس المؤتمر الوطني نوري أبوسهمين، ورئيس وزرائه خليفة الغويل، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح - لمدة ستة أشهر أخرى بتهمة عرقلة تشكيل حكومة الوفاق الوطني، كما تنص العقوبات على تجميد أي أصول يملكها المسؤولون الثلاثة في الاتحاد الأوروبي مع استمرار حظر سفرهم إلى أراضي الاتحاد. وبينما تتوالى التصريحات والتطورات على الساحة الليبية الملبدة بالغيوم، نجد أن الدب الروسي قفز مؤخراً على خط المصالحة الليبية، حيث أعلن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن موسكو تؤيد مشاركة جميع الفرقاء الليبيين في تشكيل الحكومة الجديدة، وتفعيل اتفاق الصخيرات في المغرب، الذي وقعت عليه الفصائل السياسية الليبية برعاية الأمم المتحدة في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من خلال إشراك جميع ممثلي القوى السياسية الرئيسية والقبائل والمناطق في العمل على تشكيل أجهزة السلطة الوطنية العامة في ليبيا، ويبدو أن التصريح الروسي يأتي في إطار الرغبة الروسية في الحصول على نصيب من الكعكة الليبية، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها خليفة حفتر إلى روسيا، وسط أنباء غير مؤكدة عن إبرام الجانبين صفقات سلاح لصالح الجيش الليبي. وعموماً فإن الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن تحقيق المصالحة الليبية الشاملة أمر لا زال بعيد المنال - وإن كان من الممكن بعد اجتماع باريس الأخير تحقيق بعض الخطوات الإيجابية على طريق المصالحة الجزئية - بسبب استمرار الخلاف حول تموضع المشير خليفة حفتر في الاتفاق السياسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات بالمغرب في ديسمبر من العام المنصرم، رغم نجاح حفتر في بسط نفوذه على منطقة الهلال النفطي المسؤولة عن 60% من العائدات النفطية - إذ يرفض الداعمون للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المشير خليفة حفتر باعتباره والعقيد الراحل معمر القذافي وجهين لعملة واحدة، بينما يرى المؤيدون للمشير خليفة حفتر أنه القائد الليبي الوحيد القادر على محاربة الإسلاميين والمتطرفين وتحقيق الأمن والاستقرار ووحدة أراضي الدولة الليبية، وما بين الرفض والتأييد لحفتر يظل مستقبل الدولة الليبية رهينة حدوث توافق بين فرقاء الداخل والخارج وهو أمر غير متوقع في المدى القصير. *مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف

مشاركة :