عقد من الفن بصيغة المؤنث

  • 10/14/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حين تتناول السينما المرأة كثيمة رئيسة تدور حولها وقائع الحكي، تفعل ذلك غالباً وفق مسارين: المرأة كموضوع جمالي يوظف هرمونياً الجمال والرهافة في المقام اﻷول. أو المرأة كقضية سجالية تختزل ما يعتمل في المجتمع بكامله من مشاكل وأعطاب وأماني. بصفة عامة، الشعري من جهة والواقعي مع شيء من الفكر المتخفي من جهة أخرى. أو هما معاً في اﻷعمال المتفردة بامتياز. ومهرجان سلا الدولي للمرأة قدم هذه التوليفة السينمائية طيلة عمره الذي استكمل عشر سنوات. فقد كانت برمجة اﻷفلام خلال دوراته تخضع لرؤية تفضّل ما هو فني إبداعي بنفس إنساني كوني، أي ما يعرف عامة بأفلام المؤلف، لكن التي تلقى القبول العام من دون نخبوية. وكاتب هذه السطور شاهد عدداً مهماً منها منذ الدورة اﻷولى. أفلام استطاعت أن تلقى قبولاً كبيراً في مهرجانات عالمية شهيرة. ولا أدل من شريط «ميستانغ» التركي الجميل للمخرجة دينيز كامزي إيكوفين. الذي عرض في دورة السنة الماضية، ونافس في ما بعد على أوسكار أحسن فيلم أجنبي. وهذه السنة، لم تشد البرمجة عن هذه القاعدة، بحيث تم خلال الدورة الأخيرة التي اختتمت أعمالها قبل أيام، عرض اثني عشر فيلماً من دول فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا ونيجيريا ومصر وأفغانستان والولايات المتحدة اﻷميركية ولبنان والمغرب والبرازيل والهند. هذا بالإضافة إلى أفلام مسابقة الفيلم الوثائقي. أعمال تحتل فيها المرأة مكانة العامل المحدد للحكي وموضوعه ومنتهاه. هي سينما تجعلنا، مع مرور الدورات، نألف عوالم مليئة بالكثير من الجذب والإثارة في منحاها اﻷنثوي، لكن من دون أن تتعرض السينما لتوصيف جنساني بين المرأة والرجل لا مجال لوجوده حين يتعلق اﻷمر باﻻبداعي الخالص.   تكريم المسناوي لكن الدورة الحالية، عرفت في مرحلتين، استحضاراً طيباً لروح وإبداع الناقد والكاتب الراحل مصطفى المسناوي. هذا القلم الذي ساهم في توصيف المهرجان، وشكل أحد أعمدته في التنظيم والبرمجة، بما له من ثقافة سينمائية واسعة واطلاع فكري وأدبي كبيرين، كما لعلاقته مع كل من له شأن في مجال السينما والقلم. تم عرض شريط في حفل الافتتاح، وقبل الفقرات المعتادة في مثل هذه المناسبات، تناول بعضاً من حياته وكلمات مؤثرة في حقه من طرف العديد من النقاد والكتاب. وقد كانت بحق لحظة حملت عاطفة عميقة تجاه رجل قل نظيره. وخلال صبيحة خاصة، نظمت مائدة مستديرة استدعي لها العديد من النقاد والكتاب والصحافيين ومهنيي السينما. وفيها كانت العروض مستفيضة امتزج فيها الحديث الثقافي بالسينما، وبخاصة بالإنساني العميق الشجن. لقد كان مصطفى المسناوي علامة قوية في الكتابة والنقد والصحافة المستنيرة والتدريس الحق. ولا شك أنه راض عن المسار المتفرد لسينما المؤلف التي شارك في اختطاطها لهذا الحدث المهرجاني في مدينة سلا، مدينة التاريخ والأولياء الصالحين وقراصنة العصر الوسيط. كما عرفت هذه السنة قاعة سينما هوليوود عرض أشرطة مطولة معينة، تلك التي راقت وأمتعت، أظهرت على مستويات عدة علاقة المرأة مع محيط متغير من شريط ﻵخر، العلاقة كفعل تأثير وتأثر متبادل، كانخراط مقرر وموجه، وليس كتحمل مفروض في خنوع وسذاجة. في الفيلم البلجيكي «بادن بادن» للمخرجة الشابة راشيل لانغ، نتتبع مسار فتاة في مقتبل الشباب ترى نفسها في خضم أهواء متناقضة تتطلب سلوكاً معيناً لم تجربه من قبل. وأبرزها تدبير حمام بمواصفات خاصة في انتظار عودة جدتها المحبوبة من المستشفى بعد حادث سقوط نجم عن كسر في الحوض. الفيلم يغوص في تفاصيل هدم الحمام القديم وبناء الجديد، مع ما يستتبع ذلك من لقاءات مهنيين وشراء مواد وأحاسيس حب وترقب مرتعد. لكن رمزية الحدث تطاول تدبير حياة جديدة راشدة، فالفتاة وهي تجري يميناً وشمالاً تقف على ما تختزنه الحياة من خيبات ولحظات سعادة خاطفة. إلا أن اﻷهم هو تدبير ما بعد موت الجدة، حين ينتصب سؤال صواب التصرف من أجل من نحب، وسؤال الفراغ الذي يخلقونه بعد غيابهم. هو فيلم تعلم تنثال صورة بحنينية محببة ورائقة التصوير. نالت البطلة جائزة أحسن دور نسوي. أما الفيلم اﻷلماني الفائز بالجائزة الكبرى، «توني إردمان» لمارين آد، فيرصد علاقة فتاة تعمل إطاراً اقتصادياً بوالدها. يكتشف هذا اﻷخير أنها تعمل مستشارة لدى متنفذين رومانيين في بلادهم التي تعيش أزمة اقتصادية. يزور الوالد ابنته في لحظة خاطفة، فيكتشف طريقة تصريفها لمعرفتها وقوة شخصيتها للمساهمة في تحديد قرارات لا شعبية. عند زيارة الوالد المتقاعد، يتبدى له عيانياً زيف ونفاق نخبة مسيطرة لا تضع نصب عينيها غير نجاح المقاولة ضداً على الإنسان. ابنته هي التي تقدم الحلول مستندة فقط على اﻷرقام والبيانات، للخلود بعد ذلك إلى ليالي مخملية ساهرة. يخترق اﻷب هذه الماكينة القاسية، ويظهر بؤسها بتكسير كل قواعدها وصلابتها الظاهرة بالسخرية والجرأة المستندة إلى القدرة على تطويع قيمة المفارقة. يتخذ «المسرحة» وسيلة بكل ما تتضمن من لغة ولباس وتحريك جسدي وانتحال تشخيصي وفق المواقف اللحظية. وحينها تتحول العلاقة مع البنت إلى تناحر بين جيلين متباعدين لهما تصوران متناقضان. محافظ بالنسبة للبنت وثوري بالنسبة للأب، في انقلاب يفضح نفاق العولمة المتوحشة لدى الجيل الجديد، معتمداً أسلوب السخرية المتغيرة بتخيل حكائي خصب. المرأة هنا فقدت بوصلة الأنثوي المساند لتصير كائناً مسيراً، وإن أبدت قشرة الصلابة والمعرفة التقنية. طبعاً، ينتهي الفيلم بنغمة تعيد اﻷمور إلى نصابها أخلاقياً من دون السقوط في المثالية الساذجة. هي أوروبا المتخبطة في أزمة قيم وقد أخذت في مشرحة الفن. نفس التخبط يرصده الفيلم البريطاني «الوصية» لشانيا بيتون، لكن هذه المرة على المستوى الذاتي الحميمي الباطني. هي بسيكولوجيا شخصيات ثلاث تملي سلوكات غير مريحة للعين، وفاضحة للتواطؤات الأنانية حين تضعف النفس البشرية. من أجل تبيان ذلك، توسل الفيلم إلى وسيلة فنية غير مسبوقة. جزء من الشريط مقدم من خلال كادر كومبيوتر محمول سجل فيه شاب رغباته اﻷخيرة قبل وفاته بالسرطان. وهي موجهة لصديقتين له كي تنفذانها. رغبات مرتبطة بأماكن مختارة يجب الارتحال إليها، مما يمنحنا فيلم سفر على طريقة فيلم «ثيلما ولويز» الشهير. نال الفيلم جائزة أحسن دور رجولي في إشادة بهذا التركيب المزاوج بين الدور واللعب داخل كادر أصغر من الكادر الكلاسيكي للشاشة. في رابع الأفلام التي طبعت هذه الدورة بطابع خاص، يجب ذكر الفيلم الفرنسي «عصفورين بحجر واحد» الذي أخرجته الممثلة فجرية ديلببا ذات الأصل الجزائري. على رغم ضعفه الواضح وتذبذب مشاهده بوجود أخطاء في التركيب واﻹدارة، فهو لافت بموضوعه غير المعهود. وذلك لتناوله لحياة أم مغاربية وعلاقاتها بذريتها المكونة من أحد عشر ابن وابنة. تسافر الأم لزيارة عائلة شخص فرنسي توفي، وكانت تربطه بها علاقة حميمية حين كان بالجزائر المستعمرة وكانت هي خادمة لديه. وبموازاة ذلك، ونتيجة غيابها الغريب، يجتمع الأبناء في المنزل العائلي ويحاولون تعقب أخبارها، والسؤال حول غيابها المفاجئ، وهو ما سيدع أسئلة أخرى تنثال مبرزة أسراراً مكتومة وفاضحة للتجاهل الذي يبدونه حيالها. ويعرض الشريط حيلة فنية شكلية مثل الفيلم السالف، لكن باعتماده أشرطة مسجلة يتكلم فيها الرجل الذي عرفته في شبابها وأشياء أخرى، مما يخلق حرجاً كبيراً وتناقضاً في الرؤى ما بين متفهم ومستنكر. وذلك كون الأم المغاربية الحنون الطيبة الحريصة على كل تفاصيل حياة أبنائها تظهر هنا كامرأة برغبة أنثوية. هي مسألة جريئة في فيلم يتطرق لمعيش المهاجرين العرب في فرنسا. وقد أدت الدور باقتدار الكوميدية الشهيرة طاطا ميلودة المعروفة بقصائد «السلام» التي تؤديها في فرنسا بعد أن تغلبت على عائق اﻷمية.   فقرات نقاش وقد عرف المهرجان تنظيم ندوة حول الجسد في السينما وتمثلاته، استدعي لها مختصون ونقاد تناولوا أكاديمي وبالتحليل حضوره في الفيلم كحامل إيقوني خالص، وكرمز ومركز لكل الاستيهامات والأيديولوجيات. وما استرعى الانتباه هو الحديث حول ما تعرفه السينما العربية، خصوصاً في المغرب ومصر اللذين يعرفان حركية سينمائية مستمرة، من صعوبة في إظهار الحميمية والجسد في اﻷفلام كتأثير لما هو اجتماعي وسياسي. وفي الخلاصة وُفّقت دورة هذا العام بما شهدته من عروض أفلام تخييلية ووثائقية، صبيحات للنقاش حول اﻷفلام، وتقديم الكتب في مجال الفن السابع، وتكريمات متعددة لشخصيات فنية وثقافية، وندوات في عمق الهم العام، تلكم ميزة برمجة مهرجانية حقيقية وصلت درجة نضج حقيقي.

مشاركة :