محمد جحا يرسم العلاقة بين الإنسان والأرض داخل X خارج هو عنوان المعرض الذي قدمه الفنان الفلسطيني محمد جحا في صالة آرت سبيس البيروتية، حيث قدم أعمالا فنية مشغولة بتقنيات مختلفة من أبرزها الملونات الإكريليكية وتقنية الكولاج اللصقي، وإن كانت هذه التقنية الأخيرة ضرورية الحضور في أعماله السابقة لإرساء سردية فنية متماسكة، فهي لم تعد كذلك في أعماله الجديدة التي كان بوسعها أن تشدو موالها عميقا بشكل انفرادي دون الاستعانة بأي قصاصات ورقية عمد الفنان إلى وضعها في مواقع محددة في بعض لوحاته، فأضعفت من تعبيريتها. العربميموزا العراوي [نُشرفي2016/10/14، العدد: 10424، ص(17)] خربشات طفولية تشي بالوجع بيروت – بدا التشكيلي الفلسطيني محمد جحا في معرضه المقام حاليا في صالة “آرت سبيس” بالعاصمة اللبنانية بيروت، وكأنه غير معني بإشكالية العلاقة بين الإنسان والأرض، وهي إشكالية لصيقة بذاكرة وحاضر الشعب الفلسطيني، ليس لأنه قد تخطاها، بل لأنه استطاع أن يستولد منها ولو بشكل مؤقت، وحتى إشعار آخر عالما موازيا لا يقل درامية، عالما تتنازعه الأحلام والكوابيس وهو في قدرية العوم الخطر فوق عالم واقعي غارق في العتمة. يمكن لزائر المعرض المعنون بـ”داخل X خارج” أن يلحظ مجموعتين مُختلفتين من حيث المضمون ومن حيث المعالجة الفنية على السواء، دون أن يؤدي ذلك إلى تنافر أسلوبي بين اللوحات التي بلغ عددها 17 لوحة بقياسات مختلفة. المجموعة الأولى، وهي الأصغر، لم يتخل فيها الفنان عن تلك الطفولية الشعرية التي حضرت بشدة في أعمال سابقة له، بل طورها ليجعل منها الصمغ الخفي الذي ألصق غرائبية الأشكال والأجساد والوجوه والأشياء ببعضها البعض. بدت تفاصيل وأشياء وبقايا ذاكرته الشخصية، التي تنتمي بقوة وفي معظمها إلى الذاكرة الجماعية الفلسطينية، بارزة الحضور وراسخة المعالم وإن كانت تطوف في حلقات شبه متداخلة، وكأنها في رحم شفاف أبى إلاّ أن يُظهر لنا بعضا من “مُحتضناته” والمتمثلة في هيئات بشرية وأشياء وألعاب، وقطع مجهولة الهوية وحاجيات متجزئة ومسلتزمات لحياة يومية لم تعد كذلك، بل باتت صورا لها، وخيالاتها الملونة. كل ما في هذه الأرحام الملونة لا يمت إلى عالم الطفولة، إلاّ من حيث الشكل، أي من حيث أسلوب المعالجة الفنية والتقنية التي برع فيها الفنان. يسهل التعرف على هذه المجموعة، لأنها تتمتع بألوان أقل توهجا من المجموعة الثانية، كما أنها تشبه وعن بُعد، للوهلة الأولى رؤوسا بشرية ملامحها هي الأشياء والهيئات البشرية المذكورة آنفا، كما تتمتع هذه المجموعة بأنها مرسومة بشكل شبه مُحدد وثابت على مُسطح تقشف الفنان في تلوينه. (جدار) غرفة افتراضية، هي بديل، كما غيرها من الغرف في هذه المجموعة من اللوحات، عن بيوت حقيقية غادرها أهلها فغادرتهم بدورها إلى صور غير قابلة للتلف أما المجموعة الثانية من اللوحات، فهي أكبر وربما أهم من الأولى، وذلك لعدة أسباب، أولها أن مُشاهدها يستطيع أن يلتمس تطور المعرفة والخبرة الصياغية لدى الفنان إن من حيث تلاقي أو تنافر أو تضافر العناصر في اللوحة الواحدة. هنا بشكل خاص، ربما لم يكن على الفنان أن يستحضر إلى فضاء لوحات مشغولة بالأكريليك، مادة غريبة كقصاصات الورق، فقد تولت هذه الأخيرة تخفيف “مصداقية” ما أراد الفنان التعبير عنه من أفكار ومشاعر. نذكر على سبيل المثال قصاصات الورق التي تجسد ألعاب أطفال أو متاعا لسكان منفيين عن أرضهم، فالمنفى في لوحة الفنان هي فكرة مترامية الأطراف وهي هاجس برع في تجسيده. لم يكن في حاجة، بهدف تحقيق التعبير، إلى واقعية مُقتطعات من جرائد أو صور فوتوغرافية تلصق هنا أو هناك في لوحاته، وإن عمد إلى إدخالها بين ثنايا التلاوين الأكريليكية. وتتميز هذه المجموعة الثانية من اللوحات بألوان غنية ودافئة لم يدخل إلى معظمها اللون الأسود إلاّ ليكحلها وليبرز أشكالها، في حين أنه، أي اللون الأسود، ظهر في لوحات المجموعة الأولى كصبغة وتعبير عن حالة حداد مفتوحة. كما تتميز هذه المجموعة بطرافة ملامح الشخوص المرسومة بأسلوب طفولي، تبرز نظراتها اليقظة المُحملة بالمعنى التي غالبا ما تتوجه إلى المُشاهد، تذكر هذه الشخوص بتلك التي رسمها الفنان في معرض سابق له، لكنها تختلف عنها في أن الفنان تمكن من الإمساك بزمامها بحرفية مهنية أمعنت في إبعادها عما يُسمى بالفن الساذج. إذا كانت المجموعة الأولى تصور فضاءات مُغلقة ومتقوقعة على ذاتها تسبح فيها بقايا ذاكرة أو أطراف أشياء مُبعثرة، فالمجموعة الثانية هي أشبه بمشاهد سينمائية مؤلفة عن دواخل منازل مُضاءة بساكنيها وبقصصها وبالمصابيح. من هذه المجموعة نذكر اللوحة التي بدا فيها رجل يجلس على كرسي يمد ذراعيه نحو طفل قابع في سريره، ثمة قطة سوداء وأشياء غير واضحة المعالم وخربشات طفولية على “جدار” غرفة افتراضية، هي بديل، كما غيرها من الغرف في هذه المجموعة من اللوحات، عن بيوت حقيقية غادرها أهلها فغادرتهم بدورها إلى صور غير قابلة للتلف جمعها الفنان وأطرها، وأعاد إحيائها في لوحاته، إنها مشاهد من وطنه المُسترد افتراضيا من سارقيه. :: اقرأ أيضاً مفاجأة 2016: نوبل للآداب للشاعر والموسيقي الأميركي بوب ديلان داريو فو يغادر عالمنا أفراح صغيرة فيلم جريء يقتحم العالم السري للنساء فريد بوغدير يستكمل ثلاثيته السينمائية بـزيزو
مشاركة :