حتى وقت قريب، نجحت القاهرة في الحفاظ على علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى التي تقدم لها مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات، في حين زرعت بذور علاقات دافئة مع روسيا، وبقت بعيدة عن الجهود التي تقودها السعودية لإسقاط النظام السوري. تضيف صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في تقرير لها، إنه في يوم السبت الماضي، كان على مصر التصويت على مشروع قرار بمجلس الأمن ترعاه روسيا ويخدم النظام السوري. وقررت مصر وحدها، من بين الدول الإسلامية في مجلس الأمن، دعم المشروع الروسي، الذي حصل على 4 فقط من أصل 15 صوتا وفشلت عمليه تمرير. ولم يستطع السعوديون احتواء غضبهم، وأشار مبعوث المملكة لللامم المتحدة إلى أن دول غير عربية أثبتت أنها أقرب من مصر إلى الإجماع العربي تجاه الأزمة السورية، لافتة إلى أن عملاق النفط السعودي أرامكو أبلغت القاهرة أنها لن تزود مصر بالمنتجات البترولية المدعومة هذا الشهر، في ضربة قوية للاقتصاد المصري الذي يعاني بالفعل من انهيار العملة. ونقلت الصحيفة عن جمال خاشقجي، المعلق السعودي البارز الذي أنشأ قناة العرب الإخبارية التلفزيونية، قوله: الحكومة المصرية تفشل. والناس يعتبرون مصر مثل ثقب أسود، ونحن لا نحصل على عوائد من الاستثمارات. وأضاف خاشقجي: في سوريا، الموقف السعودي يرفض الوجود والانتصار الإيراني في سوريا، ويعتبر الممر الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط تهديدا استراتيجيا. لكن مصر بكل بساطة تنظر إلى سوريا باعتبارها نظام عسكري- كالموجود لديهم في مصر- يرفض أيضا الديمقراطية والإسلاميين. تقول الصحيفة إن المسؤولين المصريين ادعوا أن القاهرة، التي صوتت لصالح المشروع الفرنسي، كانت فقط تدعم أي تحرك لوقف اراقة الدماء في مدينة حلب السورية. ولكن مع تصاعد الخلاف، اشتركت عدة صحف حكومية مصرية في انتقاد السعودية، مستغلة نفور المصريين منذ أمد بعيد من دول الخليج الأكثر ثراء. وقد ألهب هذا العداء بالفعل قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل، الذي أوقف من قبل محكمة مصرية، بنقل ملكية جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية. ولفتت الصحيفة إلى أنه في يوم الخميس، نفى السيسي أن قرار شركة أرامكو له دوافع سياسية، وقال: هناك محاولات للضغط على مصر لكنها لن تركع أمام أحد إلا الله. تقول الصحيفة: إن السيسي الذي تعرض لانتقادات في الغرب لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، أصبح أكثر قربا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى أن مصر، التي لا تزال واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات العسكرية الأمريكية، اشترت مؤخرا مروحيات KA-52 الهجومية الروسية، وهذا الشهر استضافت وحدات المظليين الروسية لإجراء تدريبات مشتركة. أيضا أعلن مسؤولون روس هذا الشهر أن موسكو تسعى لإعادة بناء قاعدتها البحرية في حقبة الحرب الباردة، في مدينة سيدي برني القريبة من ليبيا والمطلة على البحر المتوسط، وهي خطة نفتها القاهرة. ونقلت الصحيفة عن أندرانيك ميجرانيان، وهو أستاذ في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، قوله: جميع الدول في المنطقة تريد أن تحقيق توازن مع الولايات المتحدة، ومن الواضح أن الجنرال السيسي لا يريد الاعتماد بشكل كامل على أميركا، خصوصا أن واشنطن لم تتردد للحظة واحدة في التخلي عن سلفه، الرئيس [حسني] مبارك، الذي اعتمد عليها بشكل كامل. وتتابع ستريت جورنال: بالإضافة إلى التعاون العسكري والسياسي، روسيا شكلت مصدرا حيويا للسياح إلى منتجعات البحر الأحمر في مصر، ووفرت تيار موثوقا من الإيرادات انقطع بعد تفجير تبنته الدولة الإسلامية أدى إلى سقوط طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في أكتوبر 2015. ونقلت الصحيفة عن جمال عبد الجواد سلطان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، قوله ان البلدين يتفاوضان حول استئناف الرحلات السياحية، وتصويت مصر في الأمم المتحدة يرجع جزئيا الى رغبة القاهرة في تجنب إثارة غضب روسيا خلال هذه المحادثات. وأضاف سلطان: إن روسيا صديق له قيمة خاصة، لأنه على عكس حلفاء مصر التقليديين في الولايات المتحدة وأوروبا، لا تهتم بسجل حقوق الإنسان في مصر. وقال: إن قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان ستكون دائما عاملا مؤثرا في السياسة الخارجية الأمريكية، والسياسة الأمريكية تجاه مصر. هذا هو الشيء الذي لا يحبه صناع القرار الحاليين في مصر. هم لا يريدون أن تكون علاقتهم مع الشركاء الخارجيين متوقفة على ما يفعلونه داخل البلاد. ونقلت الصحيفة عن مها عزام، رئيس المجلس الثوري المصري، وهي مجموعة تضم معارضي نظام السيسي المنفيين، قولها: قد يكون هناك أيضا عنصر من الابتزاز الاستراتيجي لتقارب مصر من روسيا. العلاقة مع بوتين هي وسيلة مناسبة جدا للسيسي لكي يقول للخليج: أنا لست معتمدا عليكم بشكل كامل. في أي حال- والقول للصحيفة- شعر المسؤولون المصريون منذ فترة طويلة أن الحفاظ على استقرار مصر من شأنه أن يمنع أي من حلفائها، بما في ذلك السعودية والولايات المتحدة، من تقليص كبير في المساعدات، فحدوث اضطرابات خطيرة في مصر سيوجه ضربة قاضية على المنطقة بأسرها، بما في ذلك دول الخليج. ونقلت الصحيفة في نهاية تقريرها عن نانسي عقيل، مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، قولها: مصر تعتبر البلد المستقر الوحيد في الشرق الأوسط. أنا لا أعتقد أن هذا الخلاف بين مصر والمملكة العربية السعودية سوف يستمر.
مشاركة :