القاهرة - كلمات قليلة نطق بها سائق التوك توك كانت كفيلة بإشعال مواقع التواصل في مصر، حيث تباينت ردود الافعال حوله فبين من اعتبره يمثل صوت المواطن العادي المثقل بهموم غلاء المعيشة والاسعار وقلة جودة الخدمات وانتشار البطالة والفقر وبين من رأى انه يتعمد احداث الفوضى وخلق حالة من التصدع والشرخ بين الحكومة والشعب. وفي خضم الجدل الكبير والغليان بين مواقع التواصل وعلى منصات وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في مصر، انتشرت اقاويل وشائعات مفادها ان السائق مصطفى عبدالعظيم تم القاء القبض عليه او اختفى. وتبين بعد ساعات قليلة سخافة ما تردد من مغالطات للرأي العام المصري والعربي، حيث ان الحكومة المصرية استقبلت فيديو السائق "القنبلة" برحابة صدر. ووعد اعضاء من الحكومة المصرية بمقابلة سائق التوك توك وتوضيح الامر له. واستحسن مراقبون مبادرة الحكومة، واعتبروا انها تعبر عن امتداد جسور التواصل بين المسؤولين والمواطن العادي. وظهر مصطفى في لقطة مدتها ثوان قليلة على شاشة فضائية "الحياة" المصرية في برنامج "واحد من الناس" للاعلامي عمرو الليثي على شاشة قناة الحياة منتقداً غلاء الأسعار ومضى لحال سبيله. وخلال ساعات قليلة حقق الفيديو الخاص بحديثه 4 ملايين مشاهدة. وتلقى الإعلامي عمرو الليثي مقدم البرنامج اتصالاً هاتفياً من مستشار رئيس الوزراء المصري يطلب فيه اسم السائق لمقابلة رئيس الوزراء. وقال مصطفى أثناء تسجيله الفيديو المدوي "حرام مصر يتعمل فيها كده، بلد فيها مؤسسات عسكرية ومدنية ومجلس نواب ومش لاقيين سكر، والتعليم والصحة والزراعة هما الأساس". وتابع: "بنشوف في التلفزيون مصر بتنهض، ونرمي الفلوس في مشروعات مالهاش لازمة والتعليم عندنا متدني". وحقق فيديو السائق ملايين المشاهدات وعلى إثرها نشطت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت أخبار تؤكد اختفاءه وبعضها تفيد انه تم اعتقاله من قبل قوات الأمن، وهو ما نفاه أقارب مصطفى ومصادر بمجلس الوزراء. وتداول عدد من رواد منصات التواصل الاجتماعي، معلومات غير مؤكدة وشائعات عن القبض على مصطفى، من قبل الأمن المصري، بعد انتقاده للنظام الحالي وتلخيص مشكلات مصر في فيديو قصير. ونفى مصدر بمجلس الوزراء، ما تردد عبر تويتر وفيسبوك، بأن المجلس يبحث عن صاحب فيديو التوك توك للقبض عليه، مؤكدا أنه بعد عرضه لمشكلات البلد في برنامج "واحد من الناس" قرر مجلس الوزراء أن يتواصل مع هذا الشاب لتوضيح الحقائق له. وأضاف مصدر من الحكومة المصرية أنه حصل على اسم وعنوان صاحب الفيديو لكنه ليس متواجدا في منزله، موجها رسالة له بأن المجلس لا ينساق وراء ما يتم تداوله بأنه ينتمي لجماعة الإخوان، وأن أبناء شعب مصر واحد. وافاد الإعلامي عمرو الليثي في بيان صحفي، إنه تلقى اتصالا هاتفيًا من تامر عوف المستشار السياسي لرئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل للتعليق على فيديو مصطفى. وأشار إلى أن هناك اتجاه في الحكومة لعقد جلسة بين الوزراء وممثلين للمصريين البسطاء لشرح الوضع الاقتصادي الحالي. واشار الليثي الى أن تامر عوف أبلغه متابعة الحكومة بدقة لما يجري في الشارع المصري وأن التقارير تؤكد زيادة الأعباء على المواطنين وأن هناك تشديد من رئيس الوزراء على أهمية مراقبة الأسواق، والحد من الارتفاع المبالغ فيه للأسعار ومواجهة جشع التجار بجانب اتخاذ إجراءات أخرى تضمن وصول السلع الأساسية بأسعار مناسبة للمواطنين نافيا تجاهل الحكومة لأوجاع الناس ومشاكلهم. واجتاح فيديو السائق شبكات التواصل منذ الأربعاء، وتباينت حوله ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض له. انتشر هاشتاغ "#انا_خريج_توكتوك" بشكل واسع على تويتر، حيث برز بين الهاشتاغات الأكثر انتشاراً في مصر الخميس. وقال مغرد "الناس وصلت لحالة الغضب - الكل ينتظر الشرارة - ومن يطلقها يسير خلفه الجميع#انا_خريج_توكتوك". واضاف اخر "الجميل في الفيديو ان الناس حواليه متفاعلة معاه ومحدش حاول يقاطعه عشان عارفين انه بيقول كل كلمة بإسمهم مش عشانه". وتكلم مغرد اخر بثقة "شاب أتكلم أقوى من اي معارض ومن اي محلل سياسي مصر فيها شباب بجد واعي يا دولة العواجيز مصر فيها شباب مقهور بس ثابت ومثقف#". وقالت فتاة على فيسبوك "الشاب ده مثال حي لشريحة كبيره جدا من شباب مصر مفروض يتفتح معه حوار حقيقي". واضافت "انت صوت كل الشباب المخنوق جواهم مش عايز يطلع". واختلفت اراء النخبة المثقفة والاعلامية والفنية حول الفيديو، وحرص عدد كبير منهم على التعليق على الأمر أو تفسيره. وكتب الممثل المصري خالد الصاوي على تويتر "سواق التوك توك هايل! هو رتبته إيه؟"، وهو ما تسبب في حالة من الجدل لدى المعلقين الذين دخل بعضهم في جدال مع الصاوي بسبب ما قام بكتابته. وحرصت الممثلة المصرية والكوميدية نشوى مصطفى أن تعلق على الفيديو الذي أكدت أنها تابعته مثل غيرها، وأكدت أن السائق من حقه أن يصرخ، خاصة أن الوضع صعب، ولكن عليه في الوقت نفسه أن يفهم أننا في وضع متأزم، وأن منظومة الصحة والتعليم تحتاج إلى وقت طويل من أجل الإصلاح. واعتبر المخرج المصري ان سر انتشار فيديو السائق يعود الى كونه صدر من مواطن عادي لا يبدو عليه أنه ينتمي إلى تيار بعينه، إضافة إلى كونه كلامه يتسم بالعفوية. واختتم المخرج المصري حديثه قائلاً "فاتورة الانفجار كبيرة مش بس على مصر ده على العالم كله.. فأليس بينكم رجل رشيد؟". واشاد الإعلامي تامر أمين بسائق التوك توك، وانتقد تدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية، قائلًا: "الشاب ده اتكلم من قلبه وكل الكلام اللي بيطلع من القلب بيدخل في القلب على طول". وأضاف أمين، خلال تقديمه برنامج "الحياة اليوم"، على قناة "الحياة"، أن سائق التوك توك تعرض لحملات تشويه كبيرة من البعض ومحاولات للمتاجرة بما قال من قبل الكثير أيضًا، مستطردًا: "قال الكلام اللي جوانا كلنا، اتكلم بمنتهى الحرارة والصدق". وتابع: "حديثه نابع من الخوف على البلد التي تستحق أن يكون حالها أفضل من هذا مليون مرة، علشان كدة كلامه دخل قلوبنا على طول". على الجانب الاخر وجهت مذيعة الفضائية المصرية، أيتن الموجي موجة من السخرية والانتقاد إلى سائق التوك توك. وقالت "الموجي" عبر حسابها الرسمي على تويتر" مصر بتتقدم.. سواقين التوكتوك فيها عارفين إن عدد وفود مؤتمر شرم الشيخ (38) وإنصرف عليهم (25 مليون)". وقال الفنان نبيل الحلفاوي، "يبدو أن التركيز في الفترة القادمة سيكون على نماذج شعبية في محاولة لتضخيم واستغلال السخط على غلاء المعيشة.. سعيًا لفوضى جربها الشعب وعانى من تبعاتها". وكان رأي الطب النفسي قريبا من راي شق كبير من الشعب المصري، وقال أحمد عبدالله، دكتور الطب النفسي بجامعة الزقازيق "الناس مش شايفة في أمل". واضاف عبدالله أن "حالة المصريين واضحة في الشارع، الناس مكبوتة وتعبانة بسبب زيادة الأسعار، الى جانب مشاكل التعليم والصحة، فضلا عن أنهم لديهم يقين بأن لا أحد يشعر بهم، لذلك فهذا الفيديو يُعبر عن الحالة النفسية لنسبة كبيرة من المصريين". وعن اسلوب حديث مصطفى الذي نال اعجاب الكثيرين واثر فيهم فقد قال الدكتور محمد محسن، "كلام السائق طالع من قلبه بشكل كبير وإشارته كانت قوية في التعبير". واضاف "ان استخدامه لنبرة صوت حادة ومرتفعة مردها رغبته في أن يؤثر في غيره، كما أن هذه النبرة يستخدمها الفرد عندما يشعر أن صوته غير مسموع ويرغب في توصيله لاصحاب الجاه والنفوذ".
مشاركة :