تضارب المصالح وما وراءها

  • 10/16/2016
  • 00:00
  • 75
  • 0
  • 0
news-picture

إن التضارب الاقتصادي الحاصل بين المسلمين واختلاف المنابع الاقتصادية، هو سبب رئيس في كل الخلافات السياسية وتباينات المواقف، وهذا أمر قد استغله الأعداء استغلالاً كبيرًا، وتفننوا في زرع الحروب والعداوات في أوساط المجتمعات المسلمة.. في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام كثير من العبر، وقد قصها الله لنا لما فيها من مواعظ ودروس، ومن تلك الدروس الجلية التي ينبغي للمسلمين أن لا يغفلوا عنها طرفة عين، المسلك السياسي الاقتصادي الذي سلكه يوسف عليه السلام مما استلهمه من الرؤيا التي رآها ملك مصر، فرأى فيها يوسف منطلقًا لبناء اقتصاد جامع، يحافظ على وحدة المجتمع، ويمسك بزمام أمور الناس ليبقى المجتمع منقادا لسياسة اقتصادية مركزية، بعيدة عن فوضى المجاعات المختلقة تعمدًا أو جهلاً بسبب شح الموارد، والقحط الذي استنتجه يوسف من الرؤيا الإلهامية، فكان تفكيره عليه السلام وهو في السجن، تفكيراً إيجابياً مبنيًا على صدق النصح فيما يخدم إنسانية المجتمع دون النظر إلى الجدران الأربعة الضيقة التي أودعه فيها الظالمون له، متجاوزًا النظرة الشخصية الانتقامية، كما هي عادة الرسل في عدم الانتقام لأنفسهم ممن ظلمهم، فلم يُخْفِ عنهم الخطة الإنقاذية التي تقي نظامهم من السقوط؛ لأن يوسف عليه السلام فكر من منطلق إنساني يعصم تلك الشعوب من الوقوع في الفوضى والمجاعة، فكان يمهد لبناء أساسٍ من الأفكار المستقيمة ليقيم عليها دولة العدل، فتم له ما أراد، وبتوحيده وربطه مصالح المجتمع الواحد اقتصاديًا، استطاع أن يدير شعب مصر وماجاوره إدارة محكمة، يقيم فيها دعوة الله إلى عبادته بعيدًا عن الأساليب الممقوته، والمكايدات السياسية التي تخدم أعداء الأمة وتغتنم فرصةً من وَهَنِها للمساومة بدينها وأخلاقها. إن ما فعله يوسف عليه السلام يتحتم على المسلمين إعادة النظر في سياساتهم الاقتصادية، فالاقتصاد هو معيار القوة، وقوته عجلة التحكم في مصير الأمة، بل وغيرها من الأمم، كما هو واضح في الدول المتحكمة في دنيا الناس وسياساتهم! والاقتصاد هو الذي به تطمئن الشعوب إلى قادتها وملوكها، وهو السياج المنيع لوحدة المسلمين وتراصهم وثباتهم، وحين يستطيع أعداء الأمة التوغل في المسلمين عن طريق اقتصادهم فإن ذلك مؤشر خطير على افتراقها ومعاداة بعضها بعضًا. وإني لأتساءل لماذا لا يقيم المسلمون اقتصادًا موحدًا يعتمد أساسًا على الإنتاج الذاتي ويفكرون تفكيرًا يوسفيًاً ينظرون فيه ومن خلاله إلى مصلحة ما سيأتي لا إلى ماهو واقع، لأن الواقع هو نتيجة لخطأ قديم، فالتعامل معه يكون فقط للتقليل من آثاره. وأرجع وأقول إن التضارب الاقتصادي الحاصل بين المسلمين واختلاف المنابع الاقتصادية، هو سبب رئيس في كل الخلافات السياسية وتباينات المواقف، وهذا أمر قد استغله الأعداء استغلالاً كبيرًا، وتفننوا في زرع الحروب والعداوات في أوساط المجتمعات المسلمة، ومن ثَمّ تأتي التدخلات التي تجزئُ المسلمين والعرب على الأخص طائفيًا، نصرةً لعقائدها وتصديرًا لثوراتها المزعومة، وقد ترسخ في أذهان المسلمين أننا نملك اقتصادًا قويًا إلا أننا غير قادرين على جعله سلاحًا ندافع به عن هويتنا الإسلامية، أو نربط به سياساتنا مع غيرنا لفاعليته وقوة تأثيره! وفي الصحيح يذكر لنا الرواة قصة ثمامة بن أثال وقصة إسلامة ثم قدومه على أهل مكة وإعلان موقفه الاقتصادي المناصر لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما اضطرهم إلى مكاتبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإخضاعهم بهذه الورقة. إن وحدة اقتصاد المسلمين تعني الشيء الكثير بالنسبة لأعداء الأمة، لذلك يزرعون كل العراقيل التي تحول دون تحقيق ذلك، وفي أثناء ذلك يربطون الدويلات الإسلامية بمصادر اقتصادية مختلفة ومتضاربة سياسيًا وفكرياً كي يستمر الصراع وفقًا لخططهم المستمرة للسيطرة على بلاد الإسلام، كما أخبر سبحانه عن استدامة قتالهم لنا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا. وإني لآمل من الشعوب الإسلامية وقياداتها أن تعي جيدًا ما يراد بها، وتتعامل مع واقعها وفقَ ما يمليه عليها دينها لا حسب ما تقتضيه مصالح بعض دويلاتها، فإن كثيرًا من الدويلات الإسلامية ربطت مصالحها بإملاءات خارجة عن التوافق الإسلامي، وركنت إلى وعود وربما عطاءات وقروض بعيدًا عن الهدف الإسلامي الموحد، وستجني ثمرة هذا الخطأ الذي لا يتماشى مع كوننا أمة واحدة أولاً، وفي ظل جغرافي واحد ثانيًا، وأنا وإن اختلفت أعداؤنا فيما بينها، فقد اجتمعت كلمتهم علينا، والله حسبنا وهو نعم الوكيل.

مشاركة :