تساءل الكاتب الأمريكي إريك زويس، عما إذا كانت تركيا ستخرج من حلف الناتو إذا أصبحت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة، وبخاصة في ظل انتقاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لتصريحاتها بشأن تسليح الأكراد السوريين ووصفها بالمؤسفة. ولفت الكاتب في تقرير، نشره مركز الأبحاث الكندي غلوبال ريسيرش، إلى مخاوف اثنين من كبار القادة الأتراك من أنه إذا فازت كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن تركيا (الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة العضو في حلف الناتو) لن تجد بديلاً من الخروج من عضوية الناتو والتحالف مع روسيا في حال التحرك الأمريكي نحو الحرب ضد روسيا (وهو ما يعني في الوقت نفسه الحرب ضد تركيا). ويشير التقرير إلى أن قادة تركيا يعارضون بشكل عميق دعم كلينتون المتكرر للسماح للأكراد بالانفصال وتشكيل دولة خاصة مستقلة بهم، وهو ما تعتبره تركيا تهديداً خطيراً. وكانت كلينتون حضت في وقت سابق بمجلس العلاقات الخارجية، على فرض منطقة حظر جوي في سوريا، قائلة: يجب أن نعمل مع الأكراد على كلا الجانبين من الحدود، كما يتعين علينا تحديد كيفية (إذا كان ذلك ممكناً) إثارة صحوة عربية ثانية. وينوه التقرير إلى أن كلينتون صرحت بذلك في 19 نوفمبر/تشرين الأول 2015، أي عقب بدء روسيا بالفعل حملة القصف في سوريا (30 سبتمبر 2015)، ونظراً إلى أن معظم الطائرات الحربية التي كانت تشن هجمات في سوريا هي طائرات روسية فإن فرض الولايات المتحدة لمنطقة حظر جوي يعني قيام الأخيرة بإسقاط القاذفات الروسية، أي حرب عالمية ثالثة. الربيع العربي ويقول التقرير: على الرغم من ولع كلينتون بما يُطلق عليه الربيع العربي، الذي جعل الجهاديين يتدفقون إلى سوريا وكان السبب في إندلاع الحرب السورية التي تأمل كلينتون بالفوز فيها حال أصبحت رئيسة للولايات المتحدة، فإن معظم الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة يستنكرون الربيع العربي إلى حد كبير. ويرى التقرير أن الحكومة التركية ضاقت ذرعاً بهيلاري كلينتون؛ وبخاصة في سياق التوتر الذي تشهده العلاقات ما بين واشنطن وأنقرة منذ دحر الحكومة التركية لمحاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي. كلينتون أسوأ من أوباما ومن وجهة النظر التركية، إذا فازت كلينتون في الانتخابات الرئاسية، ستكون أسوأ من الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ إذ يريد كل منهما، بحسب كاتب التقرير، تفتيت تركيا (وكذلك سوريا والعراق). ويوضح التقرير أن القيادة التركية الحالية تعتبر محاولة الانقلاب العسكرية الأخيرة عملية مدبرة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA؛ إذ يدرك قادة تركيا مخاطر إنشاء كردستان بالنسبة لتركيا والعراق وسوريا، وهو المخطط الذي تسعى الاستخبارات الأمريكية إلى تنفيذه منذ عام 1949. وفي اليوم التالي لمحاولة الانقلاب الفاشلة (16 يوليو 2016) تم التوصل إلى اتفاقات تقضي بالتزام الولايات المتحدة بتوفير مساعدات عسكرية مباشرة وتمويل بقيمة 415 مليون دولار للأكراد، تقديراً لأهميتهم، وعلاوة على ذلك تعهدت الولايات المتحدة في يوم 18 يوليو (تموز) 2016 بإنشاء خمسة قواعد عسكرية في إقليم كردستان العراق. كلينتون وريثة أوباما المختارة ويقول التقرير: لا ينبع ذلك من منطلق حب الارستقراطية الأمريكية للأكراد ولا حتى حب الشعب الكردي أو التركي أو العراقي، ولكن السبب الحقيقي يتمثل في سعي الارستقراطية الأمريكية إلى الإطاحة بالحكومة التركية (وليس فقط السورية) لا من أجل شيء سوى عمليات الغاز والنفط التي يمكن أن يستفيد بها الأثرياء الأمريكيون، مثل بناء خطوط الأنانبيب وتسويق النفط والغاز إلى أوروبا، وهي أمور يجهلها الرأي العام الأمريكي ولكن القادة الأتراك والأمريكيين والروس يدركون مثل هذه الأمور جيداً، وكذلك هيلاري كلينتون، الوريثة المختارة للرئيس أوباما الذي يرغب في أن تكون خليفته للحفاظ على إرثه التاريخي، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بما في ذلك عزل روسيا والصين واتفاقات التجارة الدولية التي تمنح السيطرة للشركات الدولية. وبحسب التقرير تبدو كلينتون عازمة على غزو روسيا، ولكن خسارة تركيا في سياق مثل هذه الجهود تُعد بمثابة انتكاسة كبرى للارستقراطية الأمريكية. حرب عالمية ثالثة ويلفت التقرير إلى أنه إذا خرجت تركيا من حلف الناتو، فإن النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية سوف يخضع لإعادة ترتيب كاملة إلى درجة أن الحكومة الأمريكية لن تتمكن في ذلك الحين من الهيمنة على الدول الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الأمر لن يؤثر بصورة مباشرة على الأمم المتحدة فحسب ولكن آثاره ستمتد من الناحية العملية لتشمل كل شيء آخر بما في ذلك الحرب الباردة. أما عن سبب حدوث ذلك في الوقت الراهن، برأي كاتب التقرير، فيتمثل في أن السبيل الوحيد الذي يجعل الارستقراطية الأمريكية قادرة على إلحاق الهزيمة بروسيا هو تحويل الحرب الباردة الأمريكية إلى حرب عالمية ثالثة، ولكن بعض الارستقراطيات المتحالفة لا تزال ترفض أن تتطور الأمور إلى هذا الحد، وتعتبر تركيا مجرد مثال واحد لهذا الرفض. ولفت كاتب التقرير إلى أن أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم يعلمان جيداً أن الحكومة الأمريكية هي التي دبرت محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة التي شهدتها تركيا، وأن بوتين أنقذهما من الموت حينما أخبر أردوغان بأمر الانقلاب قبل حدوثه مباشرة. خداع الرأي العام الأمريكي ويخلص التقرير إلى أن السباق الرئاسي الحالي للرئاسة الأمريكية يتمحور بشكل كبير على ما إذا كانت الحرب الباردة سوف تستمر أو أنها ستتحول إلى حرب نووية. وعلى الرغم من أهمية هذه القضية، فإن الرأي العام الأمريكي لم يتم إطلاعه على هذا الأمر حتى الأن، باستثناء بعض القضايا الصغيرة التي تشغل بال غالبية مناقشات الانتخابات الأمريكية. وينتقد التقرير عدم تغطية القضايا الحقيقية في التقارير الإخبارية، لافتا أنها ستكون الأكثر أهمية في وقت لاحق والتي تتعلق بمدى تأييد أو رفض اندلاع حرب عالمية ثالثة، والأدهى من ذلك، بحسب كاتب التقرير، أن المناقشات المنشورة للقضايا الأقل أهمية تُعد خادعة للغاية، ومن ثم فإن الناخبين سوف يصوتون استناداً على أساسيات كاذبة إلى حد كبير.
مشاركة :