ميشال عون رئيساً ... خوف على لبنان - مقالات

  • 10/18/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مطروح جدّياً ان يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان. لا يشكّل ذلك خطرا على الجمهورية اللبنانية، او على الاصحّ، ما بقي منها، بمقدار ما يشكّل خطراً على مستقبل لبنان كدولة مستقلّة وعلى علّة وجوده كدولة مستقلّة سيّدة تنتمي الى محيطها العربي. يكفي لرفض ان يكون عون رئيسا للجمهورية ما حصل قبل ايّام قليلة في ذكرى يوم الثالث عشر من أكتوبر 1990 في لبنان. انّها ذكرى توفير عون كلّ الأسباب التي مكّنت النظام السوري من فرض وصايته الشاملة على لبنان. وجد للأسف الشديد من يحتفل بالهزيمة، أي بدخول القوات السورية قصر بعبدا ووزارة الدفاع بفضل البطولات التي ارتبطت بقائد الجيش وقتذاك، أي بميشال عون. مجرّد حصول مثل ذلك الاحتفال، وهو احتفال بالهزيمة، يكشف ان لبنان بلد العجائب والغرائب. هناك شخص اسمه عون يحتفل بهزيمة تسبب بها بدل ان يعتذر من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين منهم، ويعلن توبته عن التعاطي في كلّ ما له علاقة بالسياسة. هل في العالم بلد آخر غير لبنان، يوجد فيه من يحتفل بالهزيمة العسكرية والسياسية التي لحقت بشخصه وبالبلد؟ هل في العالم بلد يكافئ شخصا على الحاق الذل بشعبه؟ هل من ذلّ اكبر من هذا الذلّ الذي يجعل في الإمكان ان يكون عون الذي ليس مجرّد أداة إيرانية، بل أداة لدى أداة إيرانية، رئيسا للجمهورية اللبنانية بعد رجال مثل بشارة الخوري وكميل شمعون وحتّى شارل حلو؟ لا بدّ من العودة قليلا الى خلف للتأكّد من انّ عون لا يصلح لما دون اقلّ بكثير من رئيس للجمهورية، هو الذي يمتلك اكبر كتلة نيابية مسيحية بفضل الأصوات التي يؤمّنها له «حزب الله» وليس لسبب آخر. ماذا حصل في ذلك اليوم من العام 1990 الذي دخل فيه الجيش السوري قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة واستولى على كلّ الملفات فيها ونقلها الى دمشق مكرّساً وصاية على البلد استمرّت خمسة عشر عاما؟ كانت الذكرى نهاية لآخر متر مربّع تمارس من خلاله السيادة اللبنانية. كيف تسلست الاحداث وصولا الى ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يخجل انصار عون من الاحتفال به؟ في 23 سبتمبر 1988، انتهت ولاية الرئيس امين الجميّل الذي رفض التوقيع على ايّ ورقة يمكن ان تنتقص من سيادة لبنان على الرغم من لقاءاته الطويلة مع حافظ الأسد، وهي لقاءات زاد عددها على عشرة. غادر الرجل قصر بعبدا ليحل فيه عون، قائد الجيش وقتذاك، على رأس حكومة موقتة لا مهمّة لها سوى المساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس الذي انتهت ولايته. اضطرّ الجميّل، في ظلّ ظروف معيّنة، بل قاهرة، الى تكليف عون تشكيل حكومة موقتة والحلول مكانه، كشخصية مسيحية، في قصر بعبدا في انتظار مجيء الرئيس الجديد. بدل المساعدة في انتخاب خلف للجميّل، قرّر عون ان يكون هو رئيس الجمهورية معلنا تمرّده على كلّ شيء بدءا بعدم اخذ العلم بانّ الحكومة التي شكلّها وكانت تضم ثلاثة ضبّاط مسلمين وثلاثة آخرين مسيحيين، استقال منها جميع المسلمين. اكثر من ذلك، قرّر حلّ مجلس النواب في وقت كان النوّاب يستعدون للاجتماع في الطائف للوصول الى اتفاق ينهي الحرب الاهلية في البلد ويؤسس لنظام جديد مبني على نصّ مدروس بعناية كرّس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. قبل التوصل الى اتفاق الطائف، قصف عون بيروت الغربية، ذات الأكثرية الإسلامية. قتل القصف كثيرين. وبعد اتفاق الطائف الذي وقع في سبتمبر 1989، والذي سمح للنوّاب بانتخاب رجل عاقل هو رينيه معوّض رئيسا للجمهورية، خاض حربا مع «القوات اللبنانية» التي كانت وقتذاك ميليشيا مسيحية. منع معوّض من دخول قصر بعبدا. سمح ذلك للنظام السوري باغتياله، بعد أسابيع قليلة من انتخابه. كانت لدى النظام السوري حسابات خاصة به تتجاوز شخص رينيه معوّض الذي كان يتمتع بغطاء عربي ودولي. كان يريد رئيسا للجمهورية يدور قدر الإمكان في فلكه، فجاء بالياس الهراوي رئيسا... باصراره على ان يكون رئيسا للجمهورية، بايّ ثمن كان، لعب عون في كلّ وقت الدور المطلوب منه سورية. كان حليفا لصدّام حسين الذي ارسل اليه عن طريق البحر دبابات استخدمها في حربه على «القوّات اللبنانية». عبرت هذه الدبابات الحدود البرية بين العراق وتركيا ونقلت الى لبنان بحرا بعدما سمحت بذلك إسرائيل... التي كانت تفرض حصارا على الشاطئ اللبناني! لم يكتف عون بخوض حرب مع «القوات اللبنانية» أدت الى اكبر موجة هجرة مسيحية من البلد، بل قرّر الدخول في مواجهة مباشرة مع حافظ الأسد الذي لم يقتنع بجعله رئيسا للبنان. هناك 400 الف لبناني، معظمهم من المسيحيين، هاجروا من البلد بسبب حربي «التحرير» و«الالغاء» اللتين تسبّب بهما عون. لم يستوعب عون في ايّ وقت أهمية التوازنات الإقليمية والدولية. وعندما وجد حافظ الأسد الفرصة المناسبة لوضع يده على البلد، قصف، من الجوّ، قصر بعبدا وفرّ عون الى السفارة الفرنسية قبل ان ينتقل من هناك الى فرنسا نفسها حيث بقي لاجئا طوال 15 عاما. قبض الأسد سلفا ثمن ارسال وحدة من الجيش السوري قاتلت الجيش العراقي، الى جانب الاميركيين، في حرب تحرير الكويت. كان الثمن الوصاية السورية على لبنان. عرف الرئيس السوري الراحل كيف يستغل ميشال عون الى ابعد حدود. عاد عون الى لبنان على دمّ رفيق الحريري في 2005 وذلك بعدما اخرج هذا الدمّ الجيش السوري من لبنان. عاد من دون ان يتعلّم شيئا. هدفه الوحيد في الحياة ان يكون رئيسا للجمهورية حتّى لو كان ذلك على أشلاء لبنان. يبدو ان عقدة رئاسة الجمهورية لا يمكن ان تفارق الرجل. هذه العقدة تسمح باستغلاله سياسيا لتنفيذ مآرب معينة. مثلما لعب الدور الأساسي في جعل النظام السوري يحتل قصر بعبدا ويفرض وصايته على لبنان كلّه بين 1990 و2005، نجده اليوم في خدمة المشروع التوسّعي الايراني الذي تعبّر عنه رغبة «حزب الله» في منع انتخاب رئيس للجمهورية... او انتخابه هو رئيسا للقضاء على الجمهورية. يستغلّ «حزب الله» عقدة عون الرئاسية لتعطيل انتخابات الرئاسة والعمل في خط مواز يصبّ في تغيير طبيعة النظام اللبناني. من قال ان لا فائدة من عون ومن وجود جمهور مسيحي ساذج مؤيد لشعاراته الفارغة؟ من يتخيّل انّ في العالم شخصا يحتفل بهزيمته وهزيمة بلده؟ اليس ذلك التميّز اللبناني؟ نعم، هناك خوف من ان يصبح عون رئيسا للجمهورية. انّه خوف على لبنان، نظرا الى ان عون في بعبدا لا يمثّل سوى الاستسلام للمشروع الهادف الى جعل لبنان ذنب لإيران. من لديه ادنى شك في ذلك يستطيع مراجعة سجّل وزير الخارجية، صهر عون، في الاجتماعات العربية. كان لبنان كلّ شيء في تلك الاجتماعات باستثناء دولة عربية مستقلّة... كان صوت ايران في مجلس جامعة الدول العربية!

مشاركة :