سقف الحرية وأرضية التحرُّر - عبده الأسمري

  • 10/18/2016
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

الحرية مطلب للإنسان وهي من الحاجات الأساسية سيكولوجياً واجتماعياً، وهي كينونة لحضارة الإنسان، وإحدى أهم أسس بناء الدولة المدنية، وفي أي مجتمع متحضر كبيراً أو صغيراً، تظل الحرية مرتبطة بأسس ومساحات معينة وسقف محدد إذا ما تم تجاوزه، فإنها ستتحول إلى مجال لفرض العقوبات ومرتع للفوضى ومسرح للجريمة. وللأسف فإن هنالك من يخلط بين مفهوم الحرية الجميل المنطقي الموضوعي الواعي، ليدخل في بلورته ودمجه ليتداخل مع مفهوم «التحرر» وهو يعيش الحرية، وبالتالي فإن من ينادي بالتحرر أو بحقه، فإنه لا يعيش الحرية وفق «الفهم الصحيح للمعنى»، ولكن الكارثة تظل في التحرر من الحرية ذاتها وتجاوزها إلى مساحات جديدة من الأخطاء ومن الخروج عن القانون، لذا سيظل الرحيل إلى مساحات جديدة أو مبالغ فيها من الحرية تحرر «غير مقبول». وفي ديننا الإسلامي فإن الحرية مطلب وهدف سامٍ له أسسه وقواعده، ومنها تنطلق الأفكار والإبداعات، لأن القيود دائماً ما تحبس الأفكار وتقيد العقول. وبنظرة عميقة واستقراء أعمق للحرية في مجتمعنا، فإنها حرية مطلقة مقيّدة بالشرع، ومحددة بالطبيعة المجتمعية، التي عاشت عليها أجيال نمت وتربت في كنف صفات وأصول وحتى عادات أزالت الحضارة بعضاً منها، وأبقى الفكر الحديث على جوانب فيها، كونها أساساً وضرورة للعيش الكريم والحياة المطمئنة. فنعيش حرية بسقف ارتفع كثيراً وبات أفقاً عالياً للمكلومين، وصرحاً واسعاً لأصحاب المطالب. والأمنيات متواصلة أن يرتفع هذا السقف بشكل أعلى ليلامس طموحات ومطالب أكبر تحت مظلة آمال الإنسان وفي إطار الحياة المجتمعية ووفق أمنيات التنمية. السعوديون هم الأكثر إبحاراً في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يسبحون في بحر من الحرية المتزنة بعضهم وقع فريسة، كونه يود الإبحار حتى يصل إلى أرض أخرى من التحرر عبر هذا البحر. وصنف نادر لا يزال ينادي من مكان بعيد مطالباً بحرية في «خبث تحرر» وهو العدو الذي طالما ظل منقهراً. لذا فإن المطالبة بالتحرر يعني وجود عدة قيود، ولكن ليت من يعرف هذا المعنى أن يطلب اتساع سقف الحرية بعيداً عن توسعة أرضية التحرر التي قد تخالف الحرية لتشكِّل حياة بلا قيود، وعندها قد يسقط السقف وبالتالي يسيئون للحرية وفق معتقداتهم. الحرية لدينا أن تسافر وأن تسير في الشارع أي وقت دون حظر تجوال وأن تمارس حقوقك بكل تفاصيلها وأوجهها، وأن تنادي بمطالبك كيفما شئت عبر القنوات الرسمية، وأن تعيش حراً بلا قيود أو قمع، وهي أيضاً أن تسير المرأة بعباءتها سواء رأت أن تتنقب أو تتحجب .الحرية لدينا أن المرأة باتت مهندسة وطبيبة ومحامية وعضوة شورى وقيادية بالوزارات، ومصرفية ومذيعة وعسكرية، وعاملة بالخارجية وفنانة وأديبة، فهل نتطلع للتحرر من كل تلك «الحرية الموضوعية»، حتى تعمل المرأة في مقهى أو في ملعب كرة قدم، أو أن يقوم الشباب بممارسة هواياتهم والفتيات أيضا خارج أسوار المنطق والطبيعة المجتمعية!!. لدينا مشكلة كبرى في فهم الحرية، فهنالك من يتشدد من الصحويين ويريدون المرأة أن تظل كائناً تحيط به السلاسل والقيود المجتمعية، ممنوعة من العمل متهمة بالاختلاط حتى في الطائرة وفي المولات ووسط الفعاليات، وهؤلاء هم العداء الحقيقي للحرية الصحيحة بكل تفاصيلها، وآخرون بفكر غربي يريدون أن يطغى التحرر ليسقط سقف الحرية، وتظل أرضه مفتوحة دون جدران، حتى نتفاجأ أن الأرضية أصبحت دون غطاء ودون سقف وبلا أساسيات، وجدران المنطلقات الشرعية والطبيعة التي تناسب هويتنا وحاضرنا ومستقبلنا. وفي هذا الإطار يجب أن نعيش هذه الحرية مع مطالب واعية ومطلوبة ومتطورة، بتوسيع سقف الحرية، وفق الضوابط الشرعية والمنطلقات الحياتية التي تلائم حياتنا، كمجتمع له خصوصيته وأصوله وأساساته العميقة، التي تؤطر الحرية في درب منضبط بعيداً عن «انفلات» التحرر.

مشاركة :