حول الأنا مرة أخرى بقلم: أحمد برقاوي

  • 10/18/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المثقف الحر هو المثقف الملتزم بتعريف سارتر أي الذي يكتب بمسؤولية عن هموم الناس دون أن يكلفه أحد بذلك، وفي حال كلفه أحد لا يصبح حرا. العربأحمد برقاوي [نُشرفي2016/10/18، العدد: 10428، ص(14)] الكتابة عن “الأنا” ليست تغريدا خارج السرب، على العكس هي في صميم المشكلة التي نعيش، لأن العرب عموما نسوا الإنسان، وأنا أريد أن أعيد إلى هذا لإنسان مكانته وموقعه في عالمنا، بل أريد للأنا أن يتحول إلى قيمة حرة في ذاتها كي تقدر على صناعة التاريخ. الكتابة عن الأنا دفاع عن الأنا الحر الذي كُبّل بكل أنواع الأغلال، بدليل أن العربي الموجود في هذا العالم تعرض لكل أنواع السلطة القامعة؛ الأيديولوجيا واللاهوت والعادات والتقاليد والسلطة السياسية، كيف يمكننا صناعة التاريخ والأنا لا حول له؟ وأودّ أن أشير هنا إلى أن السلطة التي انهارت والتي هي في طور الانهيار والتي تواجه الربيع العربي هي عبارة عن عصبيات قوية، تكونت تاريخيا وأنتجت أدوات قمعها، وما كانت ترضى أن تتغير إطلاقا مع تغيّر المجتمع، وبالتالي لا تريد لأي “أنا” حرّ أن يعبر عن ذاته بقوة الرفض والتمرد والـ”لا”، لكنها كانت تسعى إلى تدجينه لقد دشن ديكارت عصر العقل بالكوجيتو الذي يعلن وجود الأنا الذي يفكر. لكن التفكير لا يكفي للوجود، لأنه لا بدّ من التمرد أيضا. ربما هذا يحيلنا إلى ألبير كامو الذي يفرق بين مفهومي التمرد الذاتي والتمرد الميتافيزيقي، حيث يعني الأول أن يتمرد الإنسان بهدف تحقيق منفعة شخصية، بمعنى أن ترفض وجودك موظفا في هذه الدائرة، وتريد أن تصبح مديرا، وعندما تحقق ما تريده تكف عن التمرد. في حين يعني الثاني -الذي أنشده- التمرد على الوضع العام. هذا هو التمرد الذي نشهده الآن، أي التمرد على غياب الحرية والاضطهاد الكلي، التمرد/ الحرية كما عرفتها في كتابي “الأنا” هي: زوال المسافة بين الأنا الظاهر والأنا الخفي. بمعنى أني عندما أذهب لاختيار حاكم أكتب ورقة وأضعها في صندوق الاقتراع دون خوف أو وجل. هذه الورقة تعبر عن خياراتي الحقيقية (أوافق أو أرفض، أحب أو أكره)، وبذلك أسلك سلوكا ظاهرا متوافقا مع ما أنطوي عليه من “أنا خفي” وبذلك أكون حرا. عندما تتحقق هذه المعادلة التي قلتها “تزول المسافة بين الأنا الظاهر والأنا الخفي”، ويكون الإنسان حرا. لكن ثمة أمرا يحمل الإنسان على أن يخفي حقيقته وهو الخوف من السلطات القامعة (السلطة والهيئة الاجتماعية ورجل الدين). وعندما يزول هذا الخوف يظهر الإنسان على حقيقته. وعندما لا يكون ظهور “الأنا” كاملا بهذا المعنى، يظهر الكذب والنميمة والنفاق في المجتمع. لذلك قلت في كتابي “إذا طلبوا منك أن تضحك وضحكت، فلقد وضعت رجليك على حافة المستنقع. وإذا طلبوا منك أن ترقص ورقصت لأنهم طلبوا منك أن ترقص فقد دخلت رجلاك المستنقع. أما إذا اعتليت المستنقع منصة للخطابة فأنت حر”. وأن يكون الإنسان حرا فهذا لا يتعارض مع كونه ملتزما بقضية أو موضوع معين، بمعنى أنك إذا كنت معجبا ببرامج وأفكار حزب سياسي، واتخذت قرارا حرّا بأن تلتزم بهذا الحزب فأنت إنسان حر. ولكن في المقابل، إذا شعرت أن وجودك في الحزب، يقيدك ويمنعك من التفكير الحر، فأنت حر في أن تخرج منه، والمثقف هو أكثر الأنوات حرية. ما معنى أن يكون المثقف حرا الآن وفي كل آن؟ يكون المثقف حرا، عندما يعبر عن رأيه ويدافع عنه ويتحمل تبعاته. والمثقف الحر هو المثقف الملتزم بتعريف سارتر أي “الذي يكتب بمسؤولية عن هموم الناس دون أن يكلفه أحد بذلك”، وفي حال كلفه أحد لا يصبح حرا. ومن هنا ميز غرامشي ذات مرة بين المثقف الديمقراطي والمثقف الذاتي، فالأول يعني عنده “ذلك الذي يعبر عن هموم الناس”، أما الثاني فهو “الذي يعتبر همه الذاتي هما كليا”، بمعنى أنه أناني. وبالمناسبة ليس بالضرورة أن يقدم المثقف دائما صورة بهية عن المثقفين. أما بالنسبة إلى المسؤولية التي يتحملها المثقف، فأعتقد أن مسؤوليته تنحصر في الالتزام بقضايا الناس ومشاكلهم وهمومهم، لأنه لا يصنع التاريخ، لكنه لديه هاجس تكوين المعرفة المطابقة للعالم، وفي حال أكد المثقف وظيفته هذه، يكون قد قام بدوره على أكمل وجه، وأنجز مسؤوليته. أما إذا كان بوقا وقلما للإيجار، فهو بالأساس لم يعد مثقفا، وقد يكون أحيانا جزءا من المشكلة، لكنه ليس هو المشكلة. والمواطن العربي يعوّل دائما على المثقف أن ينجده كلما شعر بهشاشة السياسي وضعفه. على أن المثقفين هم عدة أنواع، فإضافة إلى المثقف الملتزم هناك المثقف المتسوّل، والمثقف المأجور الذي يريد مالا ومنصبا وشهرة، والمثقف ذو الهوية الضيقة الذي هو شكل من فقدان الأنا للحرية؛ ولهذا لقد كشف الربيع العربي عن كل صور الأنا. كاتب من فلسطين مقيم في الإمارات أحمد برقاوي :: مقالات أخرى لـ أحمد برقاوي حول الأنا مرة أخرى, 2016/10/18 رسالة إلى صادق جلال العظم , 2016/10/04 الموقف والماهية, 2016/09/27 المدينة والثقافة, 2016/09/20 ثقافة الموت, 2016/09/06 أرشيف الكاتب

مشاركة :