من يسلك طرقاتنا، أو يقرأ ويشاهد وسائلنا الإعلامية، ووسائل التواصل، يلاحظ أن أعداد الحوادث المميتة، وكذلك الإصابات المقعدة المستديمة في ازدياد مروع، وليس في الأفق حلول ترقى إلى مستوى المأساة، حتى مع وجود (ساهر) الذي قلل نسبة الحوادث في بعض المواقع. مع مرور الزمن وكثرة الحوادث وتنوعها، أصبحنا نستمري هذه المناظر، ولم تعد تغيّر من سلوكنا، ثم نواصل سرعتنا العالية، وقد نكون نحن ضحية الحادث المقبل. لا نكترث لازدياد أعداد الإصابات المتناثرة في موقع الحادث، التي ترسل للمستشفيات، وهناك يتحول جلها إلى إعاقات مستديمة قد تستمر لأربعين سنة، على أساس أن أغلب مصابي الحوادث الشنيعة هم من سن الشباب، وأن أعمار أمتنا بحدود الستين، مع أن مستوى متوسط العمر في بلدنا قد ارتفع بحدود خمس سنوات. زرت قريباً لي في أحد المستشفيات الكبيرة أصيب بشلل نصفي، في حادث مروري، نتيجة قطع في الحبل الشوكي، وهو في عمر الثلاثين، ومتزوج ولديه طفلان، ولقد هالني كثرة أعداد المصابين إصابات شديدة ما بين غيبوبة وإصابات مقعدة، النسبة العظمى منها حوادث سيارات. هذه الفئة يحسب لها أهمية عظمى في الدول المتقدمة، وتكاد تكون منسية لدينا، وأود أن أشير إلى أن المصابين الذين لهم مدد طويلة، أحيلوا إلى مصحات أخرى للرعاية الطويلة، نظراً لعدم الفائدة من بقائهم في المستشفيات، وهؤلاء قل زوارهم، إذا بقي لهم من يزورهم. إنها رسالة من مواطن عمل لمدة 15 عاماً في مجال الوضع المروري والقيادة الوقائية، وزاملت رجال مرور في حملات توعوية وأسابيع مرورية، ووجدت أنه لا يمكن تحميل مسؤولية الحوادث فقط للمرور، وإن كان بعض أفرادها يحتاجون برامج تدريبية حسب مواقع عملهم، ميدانيين أو كتبة. على سبيل المثال، الجانب الإعلامي التوعوي، لابد أن تساهم فيه المؤسسات المدنية والجامعات والقطاع الخاص عبر دراسة إعادة تقييم الرسالة الإعلامية الموجهة لكافة أفراد المجتمع، بما فيهم المرأة والطفل، ثم متابعة تقييم هذا النهج سنوياً لإحداث التغيير الإيجابي المطلوب بالمشاركة مع المرور. الوضع لم يعد يرضي أحداً، وبحاجة إلى كبح جماح هذا الهدر المقلق لأغلى ثرواتنا (الإنسان)، والحل يكمن في تعاون الجميع، وعدم تحميل المسؤولية فقط على عاتق الآخرين.
مشاركة :