«لم أكن أعرف أن الموت حقير ونذل إلى حد الانهيار قبل رحيلك. عرفته قطاع قلوب، خطاف ابتسامات، لكنني لم أعهده محطماً يكبر الألم، ويدس الملح في الجرح، ويجعل الوقت وحشاً، قبل أن أراك جثة. أخبرتك أنني إذا دنت لحظة موتك سأقع أرضاً ولن يقوى أحباؤك على جعلي متزنة. إنني يا أخي هشة وعاجزة، تخذلني دموعي كلما احتجتها. يخذلني الكون من حولي لأنك ترحل. أتدرك معنى أن ترحل؟ أن تخلف وراءك أماً عجوزاً وأباً تائهاً وأختاً تتصنع القوة فيما هي تتفتت، وأخوة يعزون أنفسهم بأنك الآن في الجنة؟ أما أنا، فمنذ رحيلك مدمرة. مذهولة. خرس لساني». هذه الكلمات التي تقطر حزناً تعود للكاتبة اللبنانية فاطمة العبدالله، التي قتل أخوها بسوريا مع حزب الله. المقالة المؤلمة تعكس ألم كل من فقد حبيباً في سوريا سواء كان ينتمي لهذا المعسكر أو ذاك. أمثال فاطمة من السعوديات، أمهات وأخوات كثر، وأحسب أن خبر إعلان تصنيف السعودية للجماعات الإرهابية الذي تصدر وكالات الأنباء العالمية قبل يومين، يسعى ضمن أهدافه إلى التقليل من فواجع مماثلة للتي حدثت لفاطمة وغيرها. البيان بمضمونه وصياغته كان واضحاً بكل تفاصيله ومواده، وهو حصيلة نقاشات بين الوزارات حول الموضوع الأمني المتعلق بالرحيل إلى مناطق التوتر والنزاع. ولأن الداخلية على علم تام بالحالات المؤلمة التي تعيشها البيوت، فإنها الأكثر اطلاعاً على هذا الملف، وآلامه وأحزانه. مئات الشباب ذهبوا إلى سوريا وغيرها، من خلال كتبٍ، ومطويات، وأشرطة توزع وتسجل وتتداول. حتى سمعنا عن «قروبات» على «واتس اب» تحرض على القتال في سوريا. ثمة من يحسن اقتناص هؤلاء المتحمسين، ويسهل لهم الدروب، ويذلل لهم العقبات حتى يقعوا في الفخ، ويصبحوا وقوداً لعصاباتٍ تحول أبناءنا دروعاً بشرية، وما قصة «السمبتيك»، عنا ببعيد! الأمهات يعتصرهن الألم، ويرهقهن السهاد والسهر، فالابن لا حي ولا ميت، والضحية تلك الطفولة الغضة، والمحرضون أولئك القابعون في بيوتهم على فرشهم الوثيرة. بيان الداخلية يحقق العدل، فيحاسب من ذهب ومن حرض على حدٍ سواء، لا تظلمون ولا تظلمون، فقد آن أوان محاسبة المحرضين والمنظرين.
مشاركة :