في مساء 21 من يوليو 2013 تجمع عشرات القضاة في مطعم مركب أرمادا، عند ضفة النيل في حي المعادي الراقي بجنوب العاصمة المصرية. كان بعض الحاضرين يتولون بعضاً من أرفع المناصب القضائية في مصر، وكانت المناسبة إفطارا رمضانيا. وتداول الرجال فيما بينهم - وهم يتناولون الكباب والطحينة - مسألة تولي الجيش مقاليد الأمور، وما صاحب ذلك من أحداث قبل 3 أسابيع. فقد قام الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الذي كان مديرا للمخابرات الحربية من قبل، بعزل الرئيس محمد مرسي وحكومته. وكان مرسي من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وتولى الرئاسة في انتخابات ديمقراطية قبل ذلك بعام. وهو الآن مسجون. واقترح القاضي محمد ناجي دربالة إصدار بيان يندد بما وُصف بالاستيلاء على السلطة. ودعت مسودة البيان، التي صاغها في ذلك المساء، إلى العودة إلى «الشرعية الدستورية» متمثلة في الحكومة المنتخبة، لكنها تحاشت توجيه انتقادات مباشرة للجيش أو المطالبة بإعادة مرسي. ووقَّع أكثر من 30 قاضيا على الوثيقة في تلك الليلة. وأضاف آخرون توقيعاتهم خلال الأيام التالية، وكان بعضهم يعيش في الخارج. وفي نهاية المطاف بلغ عدد القضاة الموقعين 75 قاضيا. وقرأ أحد كبار القضاة الوثيقة في مؤتمر صحافي في 24 من يوليو. وعلى مدار السنوات الـ3 التي انقضت منذ ذلك الحين، تم عزل ما يقرب من نصف القضاة الموقعين من مناصبهم في إطار ما يقولون إنها حملة من جانب السيسي لإخضاع القضاء لرقابة حكومية مشددة. وتبيِّن سجلات قضائية أن اللجان التأديبية التي شكلها مجلس القضاء الأعلى أحالت 59 قاضيا للتقاعد، معظمهم من الذين وقَّعوا بيان مطعم أرمادا. واستندت قرارات عزل معظم القضاة إلى بند قانوني يمنع اشتغال القضاة بالعمل السياسي. لكن 25 من هؤلاء القضاة قالوا، لرويترز، إنهم يعتقدون أن السبب الحقيقي لعزلهم هو إرهاب القضاة الآخرين، كي يسيروا على نهج الحكومة. وقال المستشار محمد وفيق زين العابدين، المستشار بالمحاكم الابتدائية، وأصغر القضاة المعزولين، إذ كان يبلغ من العمر 35 عاما في ذلك الحين: «مش عاوزين يسمحوا بأي صوت مخالف». وقال المستشار المعزول أحمد الخطيب: «أي حد إصلاحي أو له آراء نقدية بيتم تنحيته. اللي بيطالب بإصلاح قضائي أو يدعو لاستقلال القضاء بيتخلصوا منه». ولم تتلق رويترز ردا على مكالمات هاتفية متكررة ورسائل بالبريد الإلكتروني، لرئاسة الجمهورية، طلبا للتعليق. فيما رد القاضي خالد النشار مساعد وزير العدل لشؤون مجلس النواب والإعلام، على هذا الأمر، قائلا: «مسألة الانتقام من قضاة بعينهم أو إعادة تشكيل السلطة القضائية كلام غير صحيح بالمرة. عندنا مبدأ استقلال السلطة القضائية في مصر». وقال المستشار محسن فضلي نائب رئيس محكمة النقض: «القضاء في مصر يتم استخدامه من قبل النظام كأداة انتقام».;
مشاركة :