باكستان وآسيا أمام مفترق طرق

  • 10/19/2016
  • 00:00
  • 42
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت تبرز قوى اقتصادية قوية في آسيا مثل الصين والهند وبعض دول جنوب شرقي آسيا، يصف محللون كثر القرن الواحد والعشرين بالقرن الآسيوي. وروسيا هي قوة أوراسيوية تلعب دوراً حيوياً في الاستقطابات السياسية الجديدة. وإيران، على رغم عوائق حكمها الديني، توحي بالثقة بعد رفع العقوبات الغربية عنها ونجاح صفقة المشروع النووي مع الدول الغربية. والاستدارة الأميركية إلى آسيا هي مرآة قلق القوة العالمية المهيمنة في القرن العشرين من التغير التدريجي في توازن القوى في المنطقة. وترغب أميركا في إبقاء على توازن القوى على حاله في شرق شرقي آسيا. ولا تخفى رغبة قوى أوروبية في علاقات مع القوى البارزة في آسيا وأسواقها. لكن ثمة سؤالاً له أهميته التاريخية ويبحث عن إجابة. هل في آسيا قوانين مجمع عليها يُلجأ إليها للتغلب على المشاكل الداخلية أو المشاكل الثنائية بين دولها وللخروج بحل سلمي؟ وفي ضوء المواجهة السياسية والعسكرية بين الدولتين النوويتين الآسيويتين، الهند وباكستان، تمس الحاجة إلى جواب عن السؤال هذا، على رغم أن الخلاف بينهما ليس الخلاف «الساخن» اليتيم في آسيا. فالنزاعات كثيرة في المنطقة من النزاع الحدودي في بحر الصين الجنوبي إلى معضلة الشرق الأوسط. وبُسطت الهيمنة الغربية على العالم على وقع بروز أوروبا بعد الثورة الصناعية قبل قرون. وأوروبا التي تسلحت بعقلية إنتاجية وقوة عسكرية استعمرت دول العالم. ولكن ما الذي مكن أوروبا من أن ترتقي إلى نواة العالم في ذلك الوقت؟ يعود الفضل في ارتقائها هذا إلى نجاحها في تطوير نظام علاقات أوروبي. ونظام فيستفاليا أُرسي بعد حروب طويلة بين الدول الأوروبية، وأقر التعايش السلمي في أوروبا في إطار احترام سيادة الدول. وهذا الإطار فُرض على العالم الذي صاغته الهمينة الأوروبية. وغني عن القول إن الهيمنة الأميركية هي امتداد له. لكن ما حال آسيا؟ هل ثمة أطر أو قوانين تتيح للدول الآسيوية استثمار طاقاتها ومواردها في النمو الاقتصادي، عوض الانزلاق إلى حروب الهيمنة في ما بينها؟ ونظام دول آسيا هو نموذج ناجح للتعاون في آسيا. ودول جنوب شرقي آسيا لم تنجح فحسب في التعاون الإقليمي بعد تجاوزها تحديات كبرى، بل أفلحت في صوغ هوية إقليمية على رغم تباين مشاربها. ومنظمة التعاون الإقليمي الجنوب آسيوي، «سارك»، أنشئت في 1980 لكن عجلة عملها لم تدر بسبب الاستقطاب بين الهند وباكستان. وفي السنوات الأخيرة لجأ عدد من دول سارك إلى تعاون إقليمي على نطاق أصغر. ومنظمة شانغهاي أبصرت النور في 2001 لتطوير تعاون اقتصادي ومد جسور التواصل بين مجموعة الدول الأوراسيوية، وحققت نحاجات باهرة. والصين وروسيا هما محور المنظمة هذه، لذا ضمت إليها دول وسط آسيا. كما جذبت إليها أخيراً عدداً من الدول مثل باكستان وإيران والهند. وإلى التعاون الاقتصادي بين دول «شنغهاي»، تملك المنظمة هذه دوراً أمنياً لم يتضح بعد. واقترحت الصين، وهي أكبر قوة اقتصادية في المنطقة، اقتراحات تحفز النمو الاقتصادي من طريق التعاون الإقليمي. والرؤية الصينية الطموحة، «حزام واحد وطريق واحد»، تستند إلى مبدأ ربح الأطراف كلها، سواء كانت دولاً صغيرة أو كبيرة مشاركة في التعاون الإقليمي. ويرمي الجانب الثقافي في مشروع «حزام واحد وطريق واحد» إلى إرساء التمازج السلمي بين الثقافات المتصارعة في أوراسيا. ويفترض الممر التجاري الصيني - الباكستاني أن يكون نموذجاً للمشروع هذا. لكن ثمة ثلاثة تحديات هي حجر عثرة في طريق تحقيقه، أولها، على خلاف نظام فيستفاليا الأوروبي الذي أرسي في غياب تدخل خارجي، التعاون الآسيوي يتكون في ظل عولمة تحول دون وقف التدخلات الخارجية. وعلى سبيل المثل، في بحر الصين الجنوبي، لا تملك دول المنطقة وما تحمله من رؤى مختلفة ووجهات نظر متباينة حول ملكية الجزر وحدود المياه، حل نزاعاتها في معزل عن الخارج. فالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ضالعة في الادعاءات والادعاءات المضادة حول الخلاف الحدودي والمائي في المنطقة. وثانياً، تفتقر آسيا إلى منبر نافذ وفعال لحل المشكلات والخلافات وإلى قوانين يجمع عليها في الخلافات الثنائية. والخلافات الحدودية هي إرث استعماري يشوب العلاقات بين الدول. ولقيت دعوة الصين إلى عدم جعل الخلافات عائقاً أمام التعاون الاقتصادي الإقليمي آذاناً صماء. وثالثاً، الإرهاب هو عائق خطير أمام التطور الاقتصادي، وهو كذلك مصدر نزاعات بين الدول. فهو سرطان يجب اجتثاث جذوره من أجل ازدهار التعاون الإقليمي المستدام. ومنظرو الحرب الباردة القديمة في باكستان مفتونون بفكرة «حرب باردة جديدة». ودعاة الحرب الباردة يرفعون لواء الاعتماد الاقتصادي على قوة عالمية، وهم يتحمسون لتحويل باكستان دولة مواجهة ويروجون لهذه الفكرة. وكما قال محلل بارز أخيراً إن معادلة «الله، الجيش، وأميركا» تستبدل بسياسة التوجه نحو الصين وتغليب كفة قائد الجيش الباكستاني وسياسة دعم كشمير. وهذه السياسة هي مرآة رسوخ الدولة الأمنية. ويسعى هؤلاء إلى إضافة الممر التجاري الصيني - الباكستاني إلى المعادلة الآنفة الذكر، والارتماء في حضن الصين، عوض اعتبار الممر هذا قاطرة التحول الاقتصادي في البلاد. وهذا الخطاب الديماغوجي يهدف إلى حرف النضال عن وجهته الحقيقية المتمثلة في جعل باكستان فيديرالية سلمية وديموقراطية تنشغل بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وترجيح كفة الرؤية الأمنية للدولة العميقة المطلقة الصلاحيات التي تعتمد على التطرف وتلتزم سياسة مرهونة للخارج. ومآل هذا النضال يحدد مستقبل باكستان.     * عضو سابق في مجلس الشيوخ الباكستاني، نائب رئيس حزب عوامي قومي البشتوني، عن «نايشن» الباكستانية، 1/10/2016، إعداد جمال إسماعيل

مشاركة :