يقول أحد أصدقائي إنه كلما تعرف على فتاة ذات غمازتين شعر بالضيق وأبقى على مسافة الصداقة بينهما، لأنه اذا تورط معها بعلاقة حب ستكون النهاية كارثية. العربريم قيس كبّة [نُشرفي2016/10/19، العدد: 10429، ص(21)] نقولها للضحك.. ونبررها بأنها تحدث دائما أو في معظم الأحيان.. لكن لا عجب أن نجد بيننا من يعتقد بها ويصدقها ويرتب تفاصيل حياته ومخططات مستقبله على ضوء إيمانه المطلق بها.. حوادث صغيرة نبنيها اعتمادا على خبرات حياتية أو قراءات أو مفاهيم متوارثة.. أو حكايات كانت جداتنا تقصها علينا.. وما إن نصدقها ونلمس تكرارها معنا حتى نؤمن بأنها حقائق دامغة لا تقبل الجدل.. بعضنا يجدها لعبة تلوّن حياته فيعتنقها وكأنها نكتة يراهن على حدوثها مرة بعد أخرى.. حينما يتفاءل بشيء أو حادثة أو أحد.. بينما تفعل فعلتها مع البعض الآخر الذي يكون قد رسخ فيها اعتقادا دامغا وكأن ما يحدث حقيقة علمية مثبتة.. فتبعث في قلبه التشاؤم والتوجس أو تُخيفه وتُلكّئ نسق يومه.. وثمة ما هو متعارف عليه وغالب في المجتمعات بوصفه معتقدا مبنيا على حوادث تاريخية مثل تشاؤم بعض الشعوب من القطة السوداء.. (ترددت في كتابة ذلك لأنني أعشق القطط السود!).. أو التشاؤم من الرقم 13.. وثمة الكثير مما هو غير معروف مثل تشاؤم الصينيين من الرقم 4.. ولكن ليس هذا هو موضوعنا اليوم.. فثمة ما هو أدهى وأعجب.. تحدثني صديقتي مثلا أنها إذا التقت في الصباح بشخص يرتدي اللون البرتقالي دون سواه يكون يومها مربكا ومزعجا.. فتسعى بكل طاقتها إلى العودة بسرعة إلى البيت وتغيير خطط يومها بأكمله.. وتحدثني أخرى أنها ما إن تلتقي برجل اسمه على وزن “فعال” حتى تفرّ منه هاربة.. ويقول أحد أصدقائي إنه كلما تعرف على فتاة ذات غمازتين شعر بالضيق، وأبقى على مسافة الصداقة بينهما، لأنه إذا تورط معها بعلاقة حب ستكون النهاية كارثية.. ويؤكد لي آخر أن الأرقام الزوجية لا تناسبه مطلقا أما الفردية فهي تريح أعصابه وتجعل يومه منعشا، حتى أنه عوّد نفسه ألّا يشتري بضاعة رقم سعرها زوجي، ولا يسكن في بيت رقمه زوجي.. ويؤمن أنه لن يستطيع الإجابة على أيّ امتحان إذا كان رقم جلوسه فيه زوجيا! وقرأت مرة عن سيدة تحتفظ لنفسها بفستان منتهي الصلاحية، وقد زاد عمره عن عشرين عاما.. لأنها إذا أرادت لمشروع أن ينجح أو أضمرت نية فعل شيء مهمّ لا ترتدي سوى ذلك الفستان بعينه، وتمضي لتحقيق هدفها وهي متأكدة بأنها ستحصل على ما تريد.. ومن الواضح أن تلك المعتقدات الشخصية إنما ترسّخت بفعل الزمن وإعادة التجربة والمحاولة.. فصديقتي التي قررت ألّا ترتبط بعلاقة مع رجل اسمه على وزن فعال كانت قد بنت معتقدها لأنها عاشت مع من تـسمّى بتلك الأسماء تجربتين من مرارة وخذلان، قررت بعدهما حاسمة بألّا تعيد الكرة مرة ثالثة!.. وكذلك صديقي الذي تشاءم من تجربته الأولى مع فتاة أحبها وخانت حبه، كانت تتحلى بغمازتين.. وإلى آخره من تلك التجارب.. بيد أن المخيف في الأمر هو أن يتمّ التعامل مع تلك الخبرات على أنها حقائق.. فتصبح بمرور الزمن هاجسا يقضّ المضجع حتى تستحيل إلى حالة مرضية تربك الإنسان ومن يعيش معه.. فلا بأس من أن تكون خبراتنا الحياتية سببا نزخرف به أيامنا.. لكن اعتناقها والتشاؤم منها هو المصيبة.. أما التفاؤل فهو بداية الجمال والفرح وحبّ الحياة.. شاعرة عراقية مقيمة في لندن ريم قيس كبّة :: مقالات أخرى لـ ريم قيس كبّة معتقدات, 2016/10/19 ذاتَ خصام, 2016/10/12 لعبة السنوات الخمس , 2016/10/05 عشر حبّات من الرُز , 2016/09/28 فن الـزن , 2016/09/21 أرشيف الكاتب
مشاركة :