البعض من الفضائيات تكرر استضافة عدد ممّن يسمونهم محللين سياسيين أو خبراء لسهولة الحصول عليهم في أيّ لحظة، وهم مستعدون للحديث عن أي موضوع بسرد انطباعات شخصية. العربفيصل الياسري [نُشرفي2016/10/19، العدد: 10429، ص(18)] من أجل تنوير المشاهدين حول ما يجري من أحداث وقضايا تلجأ البعض من الفضائيات إلى استضافة أشخاص تطلق عليهم لقب “محللين سياسيين” أو “خبراء استراتيجيين” يظهرون ضمن نشرات الأخبار أو في برامج إعلامية تحليلية مهمتهم تفسير ما يجري في المشهد السياسي وتحليل ما جرى، وما هي النتائج المتوقعة وكيف ستتطور الأحداث، والبعض منهم يتجاوز التحليل والتفسير، إلى التنبؤ والتنجيم والتوقعات التي يطلقها بثقة كبيرة واطمئنان لما يقوله. وقد ألفنا تكرار حضور وجوه وأشخاص على الفضائيات يسبق اسمهم صفة محلل سياسي أو استراتيجي، لا يترددون بالخوض في أي موضوع يتناوله الإعلام ويتحدثون فيه كمحللين ومفسرين ومتوقعين، وحتى منتقدين، بينما هم لم يكلفوا أنفسهم ولو حتى بمراجعة مواقع الإنترنت لجمع البعض من المعلومات عن الأمر وتفاصيله وظروفه وينسون أن التحليل السياسي هو عملية بحث وتفسير في حدث معين، ومعرفة أسبابه والاحتمالات الممكنة لتطوره. إن التحليل السياسي هو في النهاية وسيلة يتم من خلالها إيصال فكرة أو وجهة نظر معينة إلى المتلقي عبر عرض جميع جوانب الحدث واستنتاج أسبابه ودوافعه، وتوقع ما سوف تؤول إليه الأحداث في المستقبل، ومعرفة تأثيراته على الواقع، والإجابة عن الأسئلة المبهمة لدى المتلقي، والتأثير عليه، لذا يحتاج المحلل إلى فهم الواقع السياسي للبلد وعلاقته بمحيطه الإقليمي والدولي. ولهذا فإن التحليل السياسي هو شكل من أشكال العمل السياسي، تحتاجه ليس فقط وسائل الإعلام بل تحتاجه أيضا الحكومات الناضجة في اتخاذ قراراتها السياسية في ما يتعلق بالشأن الداخلي أو الخارجي، وفق معايير وقواعد وأسس محددة. إن “المحلل الفضائي” غير المؤهل بدلا من أن يقوم بتوضيح ما يجري على الساحة السياسية بموضوعية ومهنية ومعرفة حقيقية بالوقائع، يسترسل باستعراض أفكاره الشخصية وانطباعاته وتمنياته الذاتية حسب أهوائه السياسية وميوله التي قد تفقده الموضوعية والنزاهة. إن شخصا قليل الخبرة، يظهر عبر وسائل الإعلام يقول ما يخطر على باله حول البعض من جوانب المشهد السياسي، دون إدراك لوظيفة المحلل السياسي ودوره التنويري، سيربك حتما المشاهدين ويخلط على الجمهور المتلقي أبعاد القضايا المطروحة، وقد يؤدّي التحليل القاصر إلى تضليل الرأي العام! بل إن البعض ممّن يتمّ تقديمهم على شاشات التلفزيون كمحللين غير مؤهلين قد يربكون ويخدعون حتى دوائر الدولة المعنية بالقضية موضوع النقاش. ولسوء الحظ إن البعض من الفضائيات تكرر استضافة عدد ممّن يسمونهم محللين سياسيين أو خبراء لسهولة الحصول عليهم في أيّ لحظة، وهم مستعدون للحديث عن أي موضوع، بسرد انطباعات شخصية وترديد جمل جاهزة لا يلجأ إليها المحلل السياسي أو الأخصائي الذي يعتمد مناهج البحث والتحليل الرصين ودراسة القضايا السياسية بموضوعية تحليلية وإيصال المعلومات النافعة، وهذا هو دور الإعلام المهني. إن المحلل السياسي يمثل إشكالية في الإعلام العربي تتطلب معالجة مهنية من خلال استضافة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص واللباقة، ويفضل أن يكون ممّن ينتمون إلى مراكز الدراسات أو البحوث، أو يعملون في اختصاصات لها علاقة بالموضوع السياسي أو الأمني أو الاقتصادي وحتى الرياضي، فهناك خلط واضح بين إبداء الرأي وطرح تحليل أو تفسير لحدث محدد. إن نظرة وسائل الإعلام إلى التحليل السياسي ضمن نشرات الأخبار أو في برامجها الحوارية تختلف من قناة إلى أخرى، فالبعض منها يراه مجرّد ملء فراغ وتقليد لغيرها، وبعضها الآخر يرى التحليل السياسي علما وفنا لا يتقنه كل السياسيين والإعلاميين. ويشتهر في وسائل الإعلام العالمية محللون إعلاميون وصحافيون وكتّاب سياسيون واقتصاديون وعسكريون، لا تصدر آراءهم وتحليلاتهم وتفسيراتهم السياسية والإعلامية إلا اعتمادا على دراسات وبحوث ومصادر وحقائق مصحوبة بالدلائل والوثائق والبراهين، تجعل من تفسيرات وآراء المحلل الناضجة ذاتها خبرا تتناقله وسائل الإعلام. مخرج عراقي فيصل الياسري :: مقالات أخرى لـ فيصل الياسري هل يفسد المحللون الفضائيون البرامج الإعلامية , 2016/10/19 ثلاثون سنة بعد افتح يا سمسم , 2016/10/12 مؤتمرات إعلامية.. بنتائج افتراضية, 2016/10/05 البحث عن دور ثقافي للتلفزيون, 2016/09/28 فضاء البث التلفزيوني بلا حدود , 2016/09/21 أرشيف الكاتب
مشاركة :