فلنخاطب العقول العربية

  • 7/22/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هناك أساس متين وصلب لبناء دول ذات مؤسسات لتحول الأنظمة إلى أنظمة مدنية متكاملة. وهذا الأساس يكمن في المجتمع، لأن هذا المجتمع بنسيجه هو من سيؤسس دولة مدنية حضارية متقدمة تميل نحو عدالة إنسانية. النسق المجتمعي أمر مهم بناؤه وتنظيمه قبل أي مرحلة تجاه بناء الدول والمؤسسات. ولكي نفهم النسق المجتمعي الذي من دوره يعزز مفهوم الإنسانية الراقية والتعايش السلمي يجب علينا أن نعرف ما هو مفهوم القومية الحضارية التي يجب أن ندركها ونعيها لكي نساهم في تنظيم نسق مجتمعي لمجتمعاتنا. المجتمع يتكون من نسيج وذلك النسيج يضم خلايا ملونة متراصة مع بعضها لذلك التلوين في هذا النسيج لا يضر في النسيج نفسه أو المجتمع. هذا هو مفهوم القومية الحضاري الذي من دوره يضم الجميع ليكون مرحلة أولية نحو بناء دول متكاملة بأنظمتها التي لا تخترق وليست دولا مهمشة كـتبت تواريخ استقلالها ورقيا ولا تزال شعوبها تعاني وتحارب نفسها وتسفك دماء بعضها. لكي نحلل واقع العالم العربي، لا أعلم هل نقول: إن المجتمعات العربية أخطأت فهم تلك القومية أم هي أساسا لم تبن لنفسها نسقا مجتمعيا يضم ألوانا وأعراقا وأديانا ومذاهب مختلفة. غياب هذا النسق المجتمعي جعل بعض مجتمعاتنا صلصالا يتشكل بيد الأنظمة القوية التي لا تعرف الرحمة في عالمها السياسي، تلك الأنظمة هي الأبشع إطلاقا، التي تستغل الروحانية الإنسانية في تنفيذ مخططاتها التي رسمتها في «لوبيات» متعددة. فالعواقب وخيمة نواجهها الآن وتتحدانا بكل جرأة في سوريا، العراق، لبنان وغيرها من الدول العربية التي لم يعد الإنسان يستطيع مواصلة العيش بسلام فيها. استذكرت في بداية السطور السبب الرئيس وراء افتقار مجتمعاتنا في الدول العربية للحداثة المدنية، ولكن هناك سؤال يجب أن يسأل: كيف جرى استخدام الفرد العربي أداة لتنفيذ الأجندات الغربية «تلك الأنظمة القوية» في المنطقة العربية، وما المصلحة وراء ذلك؟ في مناظرة فريدة من نوعها قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة للولايات المتحدة بين الرئيس باراك أوباما والمرشح للرئاسة ميت رومني ذكر رومني أن الولايات المتحدة باتت ضعيفة في وقتنا هذا من خلال البحرية الأميركية وقال: إنها أضعف مما هي عليه عام 1917 والقوة الجوية كذلك وغيرهما من أمور العمل العسكري، فجاء رد أوباما سريعا ذكيا مفحما ظريفا بأن أميركا الآن لديها أقل عدد من الحصن والحراب لأن «طبيعة العمل العسكري» قد اختلفت عما كانت عليه في السابق، توجهها اختلف وطريقة تسييسها للأمور قد تغيرت. هنا نضع خطوطا كثيرة باللون الأحمر تحت كلمة أوباما لأنها توضح لنا الواقع الذي نعيشه، توضح لنا أن هناك تطلعات مختلفة تماما عن التطلعات العسكرية السابقة. فقد تحول العمل العسكري من عمل مواجهات ومجابهات إلى الوصول إلى المجتمعات عن طريق النسيج نفسه، الوصول إلى العقل عن طريق القلب، ومن ثم تأتي بعدها آلية الوصول إلى الأهداف السياسية. مع تقدم الزمن تتغير القيم جزئيا فذلك التغيير الجزئي يستفيد منه من يستخدم هذه السياسة التي ذكرت. لذلك هذه السياسة الجديدة والفريدة من نوعها تستخدم الفرد أداة عوضا عن الأداة العسكرية التي تستخدم في الحروب. فالقوى الإنسانية لا شك أنها تتفوق كثيرا بقوتها على الأداة العسكرية التي يصنعها الإنسان. لذلك لا توجد حاجة لاستخدام أدوات عسكرية في المنطقة العربية، لأن الأداة الأقوى وهي الفرد متوفرة في الميادين بعدد كبير. هنا تثار الطائفية والعنصرية في الأفراد لتمثل قوى جبارة في تحقيق المصالح في المنطقة. فلكي لا نصبح أدوات مستخدمة لضرب إقليمنا ومصالحنا ووحدتنا يجب علينا فهم القومية الحضارية، لكي نشكل نسيجا لا يمزق ولا يخترق بقوة فكرنا ومتانة وحدتنا وصلابة موقفنا. علينا أن نخاطب العقول العربية لإحداث نهضة للتخلص من الاستعباد غير المباشر ولنفهم قوميتنا ونعطيها حقوقها ونعيرها قلوبنا ولنتخلص من التعصب الذي صاحبنا عصور وأزمان وعرقل مسيرتنا من التقدم. نحن لا ننتظر تغييرا في أمتنا بل أمتنا هي من تنتظر التغيير، ولا يجدر بنا فقط أن نتذكر ماضينا فنبتسم، بل لنتذكر حاضرنا. العروبة باتت أسيرة بين جوانحنا فلا عقل ولا فكر ينقذها، وكلنا واقف ينتظر المخلص ليخلصها من تفتتها وتقطعها بيد الأنظمة الأخرى الذين تكالبوا علينا لأنهم يعرفون أننا نفتقد إلى الفهم الحقيقي للقومية فيسهل استعمارنا فكريا، روحانيا، بينما تبقى أجسادنا طلقة حرة. * كاتب كويتي

مشاركة :