يستقر نفق عميق مفخخ بعبوة ناسفة تحت منازل عند مدخل قرية الشيخ عامر.. وعلى مقربة منه يوجد لغم مضاد للأفراد مدفون جزئيا في طريق ترابي. بدأ السكان اليوم الأربعاء العودة إلى القرية الواقعة على الطريق إلى الموصل، والتي استعادها الليلة الماضية مقاتلون أكراد في الأيام الأولى من أكبر هجوم يُشن ضد تنظيم «داعش». ولدى عودتهم وجدوا القرية مليئة بالمتفجرات والتحصينات المحكمة تحت الأرض بعدما هجرها إسلاميون تقهقروا لمسافة أقرب إلى الموصل التي تبعد 30 كيلومترا إلى الغرب. وبعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم تستعيد القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة والقوات الكردية بشكل مطرد أراض نائية قبل الهجوم الكبير على المدينة نفسها والمتوقع أن يكون أكبر معركة في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. ودمرت أجزاء كثيرة من قرية الشيخ عامر بما في ذلك منزل عباس أحمد حسين، وهو ساكن عمره 36 عاما، فر من القرية عندما استولى عليها مسلحو تنظيم «داعش»، في 2014. وعاد حسين، وهو شيعي، اليوم لتفقد الدمار مستقلا شاحنة صغيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه لم يجد شيئا ينتشله وسط الأنقاض. وقال، «أنفقت كل مالي لبناء هذا المنزل وداعش دمرته. أخي وعمي وأبناء عمي يعيشون في الجوار ودمرت منازلهم جميعا أيضا. لقد دمروا جميع المنازل التي تعود للشيعة». وعلى مقربة كتب على الجدران برذاذ أحمر، «الشيعة كفار». وكانت القرية يسكنها خليط من السنة والشيعة قبل وصول «داعش»، لكن منازل الشيعة دمرها التنظيم المتشدد. والموصل، آخر معقل كبير لـ«داعش» في العراق، أكبر خمس مرات من أية مدينة أخرى سيطر عليها تنظيم «داعش». وستوجه استعادتها ضربة حاسمة للتنظيم الذي أعلن خلافة فيها. لكن التحصينات الملغومة التي توجد أسفل هذه القرية، وكذلك عبارات القدح الطائفي التي كتبت بالرذاذ على جدرانها تظهر مدى صعوبة التقدم نحوها. وسيواجه عشرات الآلاف من القوات الموالية للحكومة عدوا شرسا قضى سنوات في الاستعداد ولديه تاريخ في استخدام الدروع البشرية. وسيكون سكان المدينة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة في طريق الأذى. فصائل شيعية مسلحة ستنضم للقتال .. هذا الجزء من شمال العراق من بين أكثر مناطقه تنوعا، إذ يضم الكثير من المجموعات العرقية والدينية التي تخشى هجمات انتقامية ويساورها القلق بشأن توازن القوى بعد طرد مقاتلي «داعش». وفي إعلان ربما يبث القلق في نفوس بعض المدنيين السنة في طريق القتال، قال ائتلاف شيعي مسلح، إنه سيدعم هجوم الجيش العراقي في تأمين بلدة تقع على أحد الطرق الرئيسية إلى الموصل. وقال الحشد الشعبي، وهو ائتلاف لفصائل دربت إيران معظمها، إنه سيدعم القوات الحكومية المتقدمة صوب تلعفر الواقعة على بعد نحو 55 كيلومترا غربي الموصل. ويضم الحشد الشعبي آلافا من المقاتلين الذين صقلتهم المعارك وله علاقات سياسية قوية مع بغداد. ويواجه اتهامات بالقتل والخطف في مناطق أخرى جرى تحريرها من قبضة «داعش»، رغم أنه ينفي أن مثل هذه الانتهاكات منتشرة. ويريد المسؤولون العراقيون، أن يبعدوا الحشد الشعبي عن ميادين القتال الرئيسية لتجنب إثارة انزعاج السكان السنة. وستؤدي السيطرة على تلعفر إلى قطع طريق الهروب فعليا أمام مقاتلي تنظيم «داعش»، الذين يريدون دخول سوريا المجاورة، وهو ما سيرضي الجيش السوري الذي تدعمه إيران. واتهم الجيش السوري التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالتخطيط للسماح للمتشددين بمثل هذا الممر الآمن. ولكن ذلك قد يعرقل أيضا هروب المدنيين من الموصل الذين يتعين إقناعهم بأن طريق الخروج آمن. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الثلاثاء، إن قطع الطريق إلى سوريا مسؤولية التحالف الذي يوفر الدعم الجوي والبري للقوات العراقية والكردية المشاركة في المعركة. وكان عدد سكان تلعفر قبل الحرب يتراوح بين 150 ألف إلى 200 ألف نسمة، وكانوا خليطا من السنة والشيعة التركمان إلى أن فر الشيعة من البلدة بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على المنطقة. وقال مسؤول عراقي كبير طلب عدم نشر اسمه، «الإيرانيون والحشد الشعبي يعتزمون السيطرة على تلعفر بسبب أهميتها للشيعة واستخدام ذلك كوسيلة للانعطاف إلى الموصل. لكنهم يريدون أيضا استخدامها كوسيلة للتأثير على القتال في سوريا». الانقسامات الطائفية .. قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس الثلاثاء، إن القتال سيكون صعبا لكن تنظيم «داعش»، «سيهزم في الموصل». وعبٌر عن أمله في أن يعزز إرثه باستعادة أكبر مساحات ممكنة من الأراضي من التنظيم المتشدد قبل أن يترك السلطة في يناير/ كانون الأول. وأفادت بيانات من القوتين، إنه تم استعادة 20 قرية من المتشددين في شرق وجنوب وجنوب شرقي الموصل بحلول الصباح الباكر يوم الثلاثاء. وقال تنظيم «داعش» يوم الإثنين، إن مقاتليه استهدفوا القوات المهاجمة بعشرة تفجيرات انتحارية، وإن خصومه يحاصرون خمس قرى، لكنهم لم يسيطروا عليها. ولم يتسن التحقق من أي من التقارير بشكل مستقل. وفي واشنطن قال الكابتن جيف ديفيز المتحدث باسم وزارة الدفاع «البنتاجون» للصحفيين يوم الثلاثاء، إن من المعروف أن المدنيين في الموصل يجري استخدامهم كدروع بشرية. وتقاتل أغلب قوات الحكومة العراقية جنوبي الموصل، وحاولت اليوم الأربعاء تطهير منطقة الشورة التي تبعد 40 كيلومترا إلى الجنوب من المدينة. وينتشر مقاتلو البيشمركة الأكراد على المشارف الشرقية والشمالية على مسافة من 20 إلى 25 كيلومترا من المدينة. وقال بيان على موقع قوات الحشد الشعبي على الإنترنت، إن الحشد الشعبي «سيكون ظهيرا للقوات الأمنية على الجبهة الغربية.. بمحاذاة محورين أولهما تلعفر والثاني إسناد القوات المتجهة لمركز الموصل». وقال مسؤولون عراقيون وسكان من الموصل، إن تنظيم «داعش»، يمنع الناس من مغادرة المدينة، لكن المدنيين يفرون من الأحياء والقرى الواقعة على الأطراف. وتقول الأمم المتحدة، إنه في أسوأ الأحوال قد تتسبب حملة الموصل في نزوح مليون شخص، مما يتطلب مساعدات طارئة للسكن والغذاء. وحذرت من أن نحو 100 ألف شخص قد يصلون إلى سوريا من منطقة الموصل. لكن ما زال أغلب سكان المنطقة يقولون، إنهم ينتظرون انتهاء القتال للعودة إلى ديارهم. وفي الشيخ أحمد قرب منزل عباس أحمد حسين الشيعي الذي دمر منزله عاد راع سني يبلغ من العمر 47 عاما، اسمه علي لتفقد منزله. وقال علي، إن المنزل بدا سليما نسيبا، وإن كانت بعض الأشياء قد سرقت منه. وأضاف قائلا، «عندما جئت إلى مشارف القرية لم أكن أريد الدخول صدمني حجم الدمار». ورد على سؤال عما إذا كان الشيعة والسنة سيسكنون معا في القرية في المستقبل، أجاب قائلا، «إن شاء الله». وأضاف، «لدي أصدقاء شيعة أكثر من السنة داعش تشكل تهديدا للإنسانية كلها».
مشاركة :