< تطالعنا وسائل الإعلام الغربية المختلفة يومياً بتقارير وأخبار ومواد إعلامية عن المملكة العربية السعودية، وفي بعضها معلومات مغلوطة بعيدة عن الصحة وتفتقر لأبسط معايير التثبت والتقصي المحايد التي تتحدث عنها الصحافة الغربية. نشرت صحيفة «الإندبندنت البريطانية» قبل مدة خبراً زعمت فيه أن لوزير الدولة لشؤون الخليج العربي والسفير السعودي السابق لدى العراق ثامر السبهان «ابن عم» اسمه عبدالسلام قُتل في العراق وهو يقاتل ضمن صفوف «داعش»، وأن السفير السابق رفض إدانة ابن عمه، وعلى إثره رد وزير الدولة السفير السابق ثامر السبهان عبر حسابه الرسمي في «تويتر» على تلك المزاعم، وأوضح أن هذا الخبر غير صحيح جملةً وتفصيلاً، وأنه لا يوجد لديه ابن عم بهذا الاسم، كما أكد أنه ليس هناك أي شخص من عائلته قاتل في صفوف «داعش» أو غيرها من الجماعات المتطرفة في العالم. تأتي هذه المزاعم والافتراءات بحق المملكة ضمن حملة مستمرة طوال العام لا تكاد تهدأ، مستغلة لبعض الأوقات والمواسم، فنجد على سبيل المثال هجوم منظم في موسم الحج وإشاعات من دول بعينها، وما أن تنتهي تلك الفريضة بنجاح حتى تبدأ موجة أخرى موجهة وباتجاه آخر من خلال اختلاق القصص التي ليس لها أساس من الصحة. هذه الحملة على السعودية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن ما يهمنا هنا أن نعي أن هذا الهجوم لم يأت من فراغ، وإنما جاء ضمن عمل ممنهج ومستمر، لزعزعة ثقة المسلمين والنيل من المملكة، وفي ظل ما نشهده من تحولات وتحديات كبرى تمر بها المنطقة فإن المسؤولية تكبر وتعظم على الجهة المنوط بها رسم خطابنا الإعلامي الموجه للخارج وإعادة ترتيب الأولويات، وهذا يتطلب أن تكون على قدر المسؤولية وحجم المرحلة لوضع استراتيجية إعلامية مدروسة، وذات تأثير واسع النطاق بعيداً عن ردود الأفعال الآنية أو التصريحات الوقتية التي تنتهي بانتهاء الحدث. باتت ضرورة مراجعة إعلامنا الخارجي وإصلاح الخلل الواضح فيه أمراً حتمياً لا وقت فيه للانتظار إذا أردنا أن نكون فاعلين ومؤثرين في المشهد العالمي اليوم. ولعل أولى خطوات التطوير والاتجاه في الطريق الصحيح تكمن في بناء وتكوين لوبي فاعل ومؤثر في الدول الغربية من قادة رأي ونخب وإعلاميين وساسة ومثقفين يدافعون عن مصالح المملكة ويوصلون رسالتها إلى الشعوب الغربية بطريقة صحيحة يفهمها المواطن الغربي، وإدراك المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام أهمية العمل الميداني وأهمية نزولهم للميدان وقراءة الواقع بشكل صحيح والوقوف على متغيراته المتسارعة، والوقوف على مكامن الخلل والثغرات الحالية الموجودة في بنية الخطاب الإعلامي السعودي الموجه للخارج، وتحليل ما تم إصداره من وزارة الثقافة والإعلام ، وما هو حجم التأثير الحاصل. ومن الخطوات أيضاً ضرورة اتساق وانسجام الخطاب الإعلامي للمملكة في الخارج مع رؤية السعودية ورسالتها للعالم، إذ إن توحيد الخطاب بين وزارتي الخارجية والثقافة والإعلام وانسجامه في غاية الأهمية ويحقق الأهداف المطلوبة للوصول إلى النجاح المتوقع ويمكن في هذا السياق عقد ورش عمل بين القطاعات ذات العلاقة في كلا الوزارتين لتوحيد الجهود وردم أي فجوة قد تحصل مستقبلاً، وصياغة استراتيجية إعلامية فاعلة وطويلة الأمد وذات «نفس طويل» تتسم بالمرونة اللازمة للتعامل مع الأزمات، إذ إن أحد أهم أساليب التعاطي الفعال هو كيفية صناعة خطاب إعلامي واعي ومدرك للتغيرات المتسارعة يستجيب للأحداث ولا يترك مجالاً للإشاعات لدى الرأي العام المراد إيصال الرسالة إليه، كما يحب أن ندرك أن الحضور الكثيف في منصات الإعلام الجديد لا يعني التأثير الفعال، فنشر المواد الإعلامية وبثها عبر حسابات الوزارة في مواقع التواصل الاجتماعي ليست كفيلة أو كافية بإيصال رسالة المملكة للعالم إذا لم يتم تطوير المحتوى والمضمون. من الأزمات تولد الفرص هذا هو ما يجب أن ندركه ونعمل على تطبيقه، وذلك يتطلب بناء فريق مؤهل ومدرب لاستغلال الأزمات استغلالاً إيجابياً ومثمراً في مصلحة المملكة في الخارج، وذلك بتفعيل دور الملحقيات الثقافية في سفارات السعودية في الخارج بتطويرها ومنحها الصلاحيات اللازمة، إضافة إلى تطوير أداء إدارات الإعلام بها ورفع مستوى تنمية الموارد البشرية فيها، إضافة إلى استثمار القوى الناعمة للمملكة في الخارج من خلال أبنائها المبتعثين وذلك بتدريب بعضهم وصقل مهاراتهم وفق برامج معدة باحترافية، حتى يكونوا سفراء فاعلين للسعودية ومؤثرين في أوساط المجتمعات التي يدرسون فيها، وكذلك الاستفادة من الخبرة التراكمية للمملكة في كيفية تعاطيها مع التحديات التي شهدتها طوال العقود الثلاثة الماضية وكيف واجهتها، والأساليب التي تم استخدامها والعمل على تطويرها بما يتماشى مع التحولات التي نشهدها حالياً، والاستفادة من الكفاءات الوطنية السعودية المتخصصة في مجالات الإعلام والسياسة وعلم النفس والاجتماع لبلورة خطاب إعلامي يتناسب مع الجمهور المستهدف. ومن خطوات التطوير كذلك أهمية المتابعة اللحظية والرصد الدائم لما يطرح في الإعلام الغربي عن السعودية بمختلف وسائله والعمل على تحليله وقياسه، وبالتالي اتخاذ الخطوات المناسبة للتعامل مع كل حدث بما يناسبه، واستغلال الفعاليات والأيام الثقافية التي تعقد في الخارج لإبراز دور ومكانة المملكة بشكل غير تقليدي، إذ لابد أن نكون مبادرين ومؤثرين من خلال وضع برامج ومبادرات جديدة تحاكي طبيعة البلدان التي نشارك في فعالياتها وثقافة شعوبها وعاداتها، وتوطيد العلاقة مع الجامعات والمراكز العلمية والبحثية، وتنظيم زيارات ميدانية لهم للمملكة للتعرف عليها عن قرب، وقيادة العمل الدعوي في الخارج من خلال الاهتمام بالمراكز الإسلامية وذلك بشكل منظم ومدروس ووفق استراتيجية وبرامج معدة تراعي اختلاف الزمان والمكان والفهم والإدراك بين العقول وبث رسائل وتقارير إعلامية مستمرة عن نشاط تلك المراكز وإسهام الجاليات المستفيدة منها في الحياة العامة في البلدان التي يعيشون فيها. إن توطيد العلاقة مع الجاليات الإسلامية المقيمة في الخارج من خلال رسم برامج وخطط منظمة سيكون لها أثر كبير في المستقبل القريب في إيصال رسالة الإسلام الحقيقي للعالم بأسلوب عصري يتماشى مع التغيرات المتسارعة. فتح جسور التواصل بين وزارة الثقافة والإعلام وكليات وأقسام الإعلام بالمملكة أمر مهم في تبني الكفاءات السعودية الشابة وتطويرها والعمل على توظيفها بما يخدم رؤية المملكة في مختلف مجالات العمل الإعلامي. بقي أن نقول أن إيران تصرف على الإعلام الأميركي قرابة 950 مليون دولار سنوياً، لأجل تحسين صورتها لدى الرأي العام الأميركي بحسب دراسة أميركية ذكرتها «المجلة» حول هذا الشأن، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف حين قال في مقابلة مع التليفزيون الإيراني: «لدينا جالية كبيرة ومتعلمة في أميركا يجب اعتبار هؤلاء بمثابة ثروة لإيران، إذ إنهم يستطيعون الدفاع عن مصالح بلادهم ويتوجب عليهم ألا يسمحوا بفرض النظرة العدائية ضد إيران في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي». لا يقتصر عمل اللوبي الإيراني في أميركا على الحديث لتحسين صورة إيران، بل يشمل تنظيم حملات إعلامية موجهة ومنظمة وبعضها ضد المملكة بموازاة الحملات المستمرة، التي كان آخرها تمرير قانون حول تمكين عائلات ضحايا 11 سبتمبر من مطالبة المملكة بتعويضات على رغم عدم ثبوت شيء على الرياض. قلة من المجتمع الأميركي في الولايات المتحدة يعرف الدور الذي لعبته السعودية في محاربة الإرهاب، وكيف تعاونت مع الولايات المتحدة لأجل التصدي وإحباط عدد من العمليات الإرهابية التي كان من المتوقع حصولها. كما لا يدرك كثير من الأميركان كيف تضررت السعودية جراء تلك العمليات الإرهابية وكمية الخسائر في الأنفس والممتلكات وحجم التضحيات التي قدمتها في هذا الشأن. يسعى اللوبي الإيراني في أمريكا من خلال استراتيجية منظمة وتمويل مستمر إلى تنظيم عدد من الندوات وعقد المؤتمرات ونشر مقالات في مختلف الصحف الأميركية لأجل الحفاظ على مصالح إيران والدفاع عنها، كما تقوم بفتح جسور وعلاقات صداقة مع عدد من الباحثين والخبراء في المجتمع الأميركي للتأثير عليهم وإقناعهم وكسب تأييدهم. باتت أهمية تطوير خطابنا الإعلامي الموجه للعالم ضرورة حتمية لا تنتظر مزيداً من الوقت، وتتطلب من الجميع توحيد الجهود للوصول إلى خطاب يليق بمكانة المملكة وموقعها المهم في العالم اليوم، كما أن أي تأخير في تطوير خطابنا الإعلامي وإصلاح الخلل لن يكون في مصلحة بلادنا، فالزمن يتسارع والأحداث تتوالى ولا مجال للتراخي على حساب الوطن وتحقيق تطلعاته. * كاتب سعودي.
مشاركة :