فسطاط التحول المضاد والعنف المتدحرج

  • 3/10/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي لا تفاضل الثيوقراطيات الدينية، كأنظمة عقيدية أو كأيديولوجيات فردية أو جماعية، بينها وبين الآخر، إلاّ لكي تذمّه وتنتقص منه، بل لتطلق أحكامها المسبقة والمبرمة على الضد منه ومن وجوده. فهي إذ تعلن عدم تسامحها منذ «البدء» وحتى «المنتهى»، فلكونها تنطوي على استبعاد واحدتها للأخرى، إقصاء ورفضاً لتحمّل وجود الآخر، أو الاعتراف به بصفته مستقلاً أو حراً، أو كونه الآخر الممتد والمتواصل من حلقة من حلقات المركزية الإنسية، تلك التي لا يمكنها أن تنغلق على صنف من أصناف التديّن الثيوقراطي فحسب، ولهذا فإن وضع الأصناف جميعها في مواضع متعادية، إلى حد «مجاهدتها» للإبقاء عند حد الذات وتقديسها، ورمي الآخر/كل آخر بتهم التكفير والهرطقة والزندقة إلى حد تدنيس معتقداته، والذهاب حتى النهايات القصوى لنفيه، أو لقتله، هو ما يقدم تفسيراً للمآلات التي تبلغها أنظمة ثيوقراطية كثيرة، إن لم نقل جميعها ولو بدرجات متفاوتة. إن تمركزاً ثيوقراطياً يحاكي التمركز العرقي، بانغلاق الذات على ذاتها، لا يمكنه أن يؤسس أو ينتج سوى اغتراب مضاعف ومزدوج. وما نراه في بلادنا من تجارب التزاوج بين العرق والدين، سوى الثمرة المرة للقداسة المذوتة، ولتدنيس الآخر، كل آخر خارج الصيغة أو الصيغ الضيقة للهويات الصغرى/الفرعية، العاملة عمداً على خلق روح الاستعداء في أجساد وهياكل كل الصيغ الأخرى، وكل الهويات الأخرى، تأسيساً لموضوعات صراع أو اختلاق صراعات تناحرية، هدفها تحقيق حيازة سلطة هيمنة لا تدانيها أو تضاهيها أية سلطة، السلطة التي بطبعها وطبيعتها عادت وتعادي تحرر الإنسان من مكبلاته وقيوده، فكيف إن كانت هذه المكبلات والقيود من النوع الثيوقراطي الذي يحمل أثقالاً من الاغتراب الإنساني، لا سيما وهي تستمتع برؤية «عبيدها» يخوضون حروبها من أجل تكريس احتفاظها بالسلطة، وبالهيمنة، وبسطوة أيديولوجيا مخادعة الإنسان لطبيعته، وتزييفه لها. وبانقضاء عصر الثورات العنيفة، وحلول أفكار في شأن التحولات التغييرية كنتاج ممؤسس لحركة تنويرية كبرى، اعتماداً على الحرية، وفي ظل تمتع غالبية الجمهور بها، يرى عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران، أن فكرة التحول التي هي أثرى من فكرة الثورة، تُبقي على التّجذّر التغييري لهذه الأخيرة، إلاّ أنها تربطه بحماية الحياة وبتراث الثقافات. بينما يؤكد كانط مرة جديدة أنه من أجل التنوير كفكرة وكممارسة تحويلية أو تحوّلية، لا يتطلب الأمر شيئاً آخر غير الحرية، وبالضبط تلك الحرية الأقل ضرراً بين كل ما يندرج تحت هذا اللفظ، أي حرية الاستعمال العمومي للعقل في كل الميادين. من هنا حاجتنا الضرورية إلى نهضة ثقافية تنويرية شاملة، لا تضاهيها إلاّ احتياجاتنا إلى حداثة تنموية إنتاجية تضع في مركزها اقتصاد معرفة إنساني، محوره الرقي بكل النوازع الإنسية، في تجاوزها لتلك الحدود الضيقة، باتجاه رسمها لتلك الآفاق الرحبة، وهي تبلور هوية إنسية لا تقطع مع بيئات البشر، ولا مع ما كوّنه الإنسان من مفاهيم خبرات وتراكمات تنتمي إلى تلك القيم التعددية والمتنوعة، التي أضحت مع الزمن كونية بالضرورة. ولهذا يرى موران أنه في مناخ الأزمة الكونية للإنسانية، «هناك فضائل في ظلها تصحو قوى الإحياء الخلاّقة من نومها، بالتزامن مع قوى الجذب إلى الوراء أو قوى التّفكّك». لكن الأخطر أنه في ظل سيادة القوى التي تأخذ على عاتقها مهمة التفكيك كمهمة توظيفية «مقدسة» تنمو الماورائيات، مدعومة بقوى الخرافة والأصوليات المؤسطرة ذاتها وأيديولوجياتها المُنظّرة لفسطاط التحوّل المضاد، المغاير للتحوّل الإنساني. وتلك مرحلة بتنا وباتت بلادنا توغل فيها بتسارع وبعنف «داعشي» متدحرج.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :