إساءة معاملة الخدم خروج عن أخلاق الإسلام

  • 10/21/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من أبرز الآداب والأخلاق الفاضلة التي يربينا عليها الإسلام التعامل الإنساني الراقي مع الضعفاء والبسطاء، وخاصة الخدم، والحرص الشديد على كل ما يوفر لهم مقومات الحياة الكريمة، ويحفظ لهم إنسانيتهم، وينظم العلاقة بينهم وبين من يتعامل معهم خاصة هؤلاء الذين يخدمونهم. والأدب الإسلامي في التعامل مع الخدم لا يقف عند إطعامهم وتقديم الأجر العادل لهم والتعامل الكريم معهم، بل يتجاوز كل ذلك ليوفر لهم الحماية من كل صور الاستغلال والإهانة، فكل البشر في ميزان الإسلام سواسية، لا فرق بين غني وفقير، ومخدوم وخادم، فلا فضل لإنسان على آخر في ميزان الإسلام إلا بالتقوى. لذلك كان كل ما نقرأ عنه ونشاهده من تجاوزات سلوكية في تعامل البعض مع خدمه يمثل خروجاً عن قيم وأخلاق وآداب الإسلام، التي جاءت بكل صور الرحمة والعفو والرأفة بهم والحلم والرفق في التعامل معهم.. فما الأدب الإسلامي في التعامل مع الخادم؟ يقول د. أسامة الأزهري أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب المصري: الإسلام دين عدل ورحمة ومساواة وتشع من تعاليمه وآدابه وأخلاقه كل معاني الإنسانية، وتبدو هذه الإنسانية واضحة في التعامل مع البسطاء والضعفاء من الناس، وفي مقدمتهم الخدم. .. حتى ولو أخطأ لقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً بالخدم، حيث لا يجوز لمسلم يؤمن بالله أن يهين خادماً، حتى ولو أخطأ، حيث جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه: إخوانكم خولكم (أي خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم، وفي هذا التوجيه النبوي الكريم العديد من الوصايا، وأيضاً الآداب الواجبة في التعامل مع الخادم، أولها أن من يخدمنا ليس أقل منا إنسانية أو كرامة فهو أخ لنا في الإنسانية والإسلام لو كان مسلماً، وأخا لنا في الإنسانية لو كان على غير ديننا، ولذلك يجب أن نتعامل معه بإنسانية ورفق ورحمة، فقد سخره الله لمساعدتنا على إنجاز أعمالنا، فلا يجوز أن نهينه أو ننتقص من قدره، أو نهدر حقوقه الإنسانية مستغلين أنه تحت أيدينا. وحسن الخلق مع الخدم - كما يقول د. الأزهري - يفرض علينا أن نوفر لهم الطعام والملبس المناسب، وأن يكون العمل الذي نطلبه منهم أو نكلفهم به في إطار المستطاع، وإن كان العمل يحتاج إلى مساعدة نساعدهم على ذلك، وما أجمل أن يساعد الإنسان خادمه، فهذا السلوك يشعره بإنسانيته، ويقوي من روحه المعنوية، ويجعله محباً لمن يخدمه متفانياً في خدمته. رحمة ورفق وإنسانية ويضيف: أخبرنا أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان قمة في التعاون ومساعدة الزوجات في أعمال البيت، وكان يفضل - رغم وجود الخادم - قضاء ما يستطيع من أموره وحاجاته الشخصية.. فكان عليه الصلاة والسلام قدوة ومثلاً لجميع المسلمين في ذلك، حيث كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويرفع دلوه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وهو بهذا يضرب المثل في التيسير على أهل البيت والخدم معاً، وفي التعاون الذي يجب أن يسود جو الأسرة، فهي شركة لا ينبغي أن يجد أحد أعضائها حرجاً أو غضاضة في عمل ما يساعدها على الوصول إلى غايتها من الاستقرار والسعادة، وذلك على الرغم من وجود الخدم الذين يكفون الإنسان هذه الأمور. من هنا يؤكد العالم الأزهري ضرورة التأدب بأدب الإسلام في التعامل مع الضعفاء عموماً والخدم على وجه الخصوص، ويقول: ينبغي أن تتجسد كل أخلاقيات الإسلام الطيبة في سلوك المسلم خاصة مع الضعفاء والبسطاء من الناس، وكلما حسن خلق المسلم مع هؤلاء كبرت قيمته في عيون كل الناس، لذلك أتمنى أن تختفي كل مظاهر الإساءة للعمال والخدم والسائقين، وكل من يعمل على خدمتنا ومساعدتنا على مواجهة أعباء الحياة. وإذا كان الدين الإسلامي قد كفل للضعفاء ومنهم الخدم حقوقاً لا بد من الوفاء بها، ونظم العلاقة بين المخدوم والخادم بما يحفظ حقوق الطرفين، فإن إنسانية المسلم مع خادمه يجب أن تتجاوز كل الحقوق المادية، بحيث يشعر الخادم في كل لحظة يقضيها في بيت مخدومه بإنسانيته، وهذا لن يتحقق في ظل معاملة قاسية أو سلوك خشن من المخدوم.. بل ينبغي أن يكون المخدوم رقيق المشاعر مع خادمه يطمئن دائماً على أحواله وأحوال أسرته، رحيماً به فيما يكلفه به من أعمال، وأن يخاطبه دائماً بألفاظ رقيقة وعبارات كريمة، ويناديه باسمه وليس بعبارات مهينة، فالإسلام - وهو دين رحمة ومساواة وعدل - يفرض على المسلم - مهما كان نفوذه وسلطاته وشأنه في المجتمع ومكانته بين الناس - ألاّ ينسى أن الخادم إنسان مثله وله حقوق إنسانية لا يمكن التغاضي عنها. قسوة.. وجرائم ويقول د. داود الباز أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: لقد كفل ديننا حقوق الضعفاء وأوصانا بهم خيراً، ومن هنا يجب التأدب بأدب الإسلام في التعامل مع الخدم خاصة في ظل شكوى هؤلاء من المعاملة الجافة والقاسية للمخدومين في كثير من البلاد العربية، ويقول: لقد كثرت شكاوى الخدم في عالمنا العربي من التجاوز معهم وإهدار حقوقهم، وفي مقابل هذا السلوك القاسي نقرأ كل يوم ونسمع عن جرائم منكرة ارتكبها بعض الخدم انتقاماً لأنفسهم، ونستطيع أن نواجه كل المشكلات الناتجة عن زيادة الاعتماد على الخدم من خلال نشر ثقافة الإسلام وإنسانيته الفائقة في التعامل معهم. ويضيف: لا بد أن نعترف في شجاعة بأن كثيراً من الذين يستعينون بالخدم في عالمنا العربي لا يعرفون حقوقهم التي كفلها الإسلام لهم، فالبعض يتعامل معهم على أنهم فئة متدنية من البشر، فيستهين بهم وبما يعملون، ويستغلهم نفسياً وبدنياً استغلالاً سيئاً، مع أن القرآن الكريم ينبهنا إلى أنهم مسخرون لخدمتنا، وأن لهم حقوقاً إنسانية وحقوقاً مادية لا بد من الوفاء بها، وهذه المعاني تبدو واضحة في قول الحق سبحانه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون. ومن هنا يؤكد أستاذ الشريعة بالأزهر ضرورة استعادة الأخلاق الإسلامية في التعامل مع الخدم، وذلك بما يحفظ للخادم إنسانيته، ويحافظ له على كرامته، فكل معاملة مهينة للخادم مرفوضة ومدانة، وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه سابّ عبداً له وعيره بأمه، فشكا الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول الكريم لأبي ذر: أعيرته بأمه؟ إنك أمرؤ فيك جاهلية. صور راقية ومن صور التعامل الراقي مع الخادم احترامه في المحادثة والتخاطب وعدم الاستهانة بما يعمل فهو أحد المسؤولين الذين يناط بهم أمر الأسرة والحفاظ عليها بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. وما دام الإسلام قد أعطاه هذه المسؤولية وتلك الأمانة فلا ينبغي أن نجرده منها ونستهين بما يعمل، كما لا ينبغي أن نخوِّنه من دون وجود دليل وبرهان على الخيانة. أيضاً من صور التعامل الرحيم مع الخادم - كما يقول د. الباز - تيسير العمل وتخفيفه عليه ومشاركته فيه إن احتاج إلى المشاركة.. فضلاً عن الوفاء بحاجاته من الطعام والشراب المناسب، والذي تطعم منه الأسرة، حيث لا ينبغي أن يقدم له طعام مختلف لأن هذا يؤثر في نفسه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس خادمه على مائدته ليأكل مما يأكل ويشرب مما يشرب. ومن حق الخادم أيضاً أن يلبس الملابس الجميلة على نفقة مخدومه تطبيقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إخوانكم خولكم (خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم. وإطعام الخادم وكسوته لا علاقة لهما بأجره، حيث يجب الوفاء بإجرة الخادم كاملة غير منقوصة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصيمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره. الرسول القدوة ومن صور التعامل الراقي مع الخادم، التي حثنا عليها الإسلام عدم محاسبته على أخطائه وتجاوزاته العفوية غير المقصودة، والصفح عن تقصيره، والنصح له بهدوء، يروى أن الصحابي أبو مسعود البدري رضي الله عنه، ضرب غلاماً له بالسوط وغضب عليه غضباً شديداً، فسمع صوتاً يناديه من خلفه: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود. فالتفت إليه فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقال أبو مسعود: يا رسول الله لا أضرب مملوكاً بعده أبداً، هو حرّ لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة ومثلاً في كفالته لحقوق الخدم، وفي التعامل الراقي معهم، وقد خدمه أنس بن مالك رضي الله عنه طوال وجوده في المدينة المنورة، ومن أقواله التي نقلتها لنا كتب السنة: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفّ قط، ولا قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟! وكان لا يظلم أحداً أجره. ما أحوجنا إلى التأدب بأدب الإسلام في التعامل مع البسطاء وخاصة الخدم، وما أحوجنا إلى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق وصاياه وتوجيهاته في كفالة حقوقهم والاعتراف بفضلهم.

مشاركة :