شهدت ليبيا قبل خمس سنوات ثورة شعبية ضد نظام العقيد معمر القذافي الذي قتلته الجموع بعد مطاردة استمرت أسابيع، وتخضع ليبيا لأطماع إقليمية. أكثر من 30 هجوما جويا نفذته مقاتلات أميركية ضد مواقع لمسلحي تنظيم الدولة بمدينة سيرت التي يسكنها نحو 130 ألف نسمة. وتعد سيرت رمزا للتاريخ الحديث لليبيا التي تشهد نوعا من الانهيار الشامل بعد مرور خمس سنوات على مقتل القذافي في 20 من أكتوبر الأول 2011 خلال مطاردته بالقرب من مسقط رأسه. ومع الإطاحة بنظام القذافي قبل خمس سنوات سادت آمال في بناء نظام ديمقراطي ونشر الحرية داخل مجتمع يجد نفسه اليوم في مستنقع من الفوضى. ويشكل التهريب مصدرا مزدهرا لتحقيق الربح -المخدرات والأسلحة وحتى البشر- فانهيار الدولة حول ليبيا إلى ممر رئيسي لأفواج اللاجئين في اتجاه أوروبا، وهذا ما يوافق عليه أيضا ماتيا توالدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، موضحا أن ظروف عيش الناس في ليبيا تدهورت بعد مقتل القذافي. وقال توالدو في تصريحات صحافية لـ «دوتشه فيله»: «انقطاع الكهرباء يحصل باستمرار. طرابلس شهدت في سبتمبر وحده 109 عمليات اختطاف. النقود نادرة والناس يقضون ساعات طوال أمام شبابيك البنوك التي تمدهم بمال قليل»، واستخلص ماتيا توالدو أن «الحياة اليومية تدهورت بما في ذلك الوضع الأمني والحالة الاقتصادية». تقدير خاطئ كريستيان موخ بقي حتى سبتمبر الماضي سفيرا لألمانيا في ليبيا، وقال هذا الدبلوماسي السابق إن الأطراف المعنية بالوضع في ليبيا نسجت في 2011 تصورات خاطئة عن مستقبل ليبيا، الليبيون والمجتمع الدولي على حد سواء. وقال موخ إن تلك التخمينات «نتاج لثقة مفرطة بالنفس». ويبدو أن حسابات الانتماءات الإقليمية والقبلية برزت كعائق أمام تطور البلاد. ويقول موخ في هذا السياق: «العامل البارز هو عدم تشكيل جيش وطني جديد بعد 2011. والميليشيات التي كانت موجودة أصلا في البلاد كبرت مكانتها، وبالتالي الفكر الضيق المتصل بالمعطيات المحلية». تصدير السلاح انعكاسات انهيار الدولة في ليبيا لا تتوقف عند حدود البلاد، حيث قام مقاتلون بالاستيلاء على أسلحة الجيش، ويقول توالدو: «إن تدفق الأسلحة من ليبيا كان أحد الأسباب وراء النزاع في مالي». وهذا ما يوافق عليه رئيس تشاد إدريس ديبي الذي اشتكى على هامش زيارته الأخيرة إلى برلين الأسبوع الماضي قائلا: «القذافي مات وتم التخلي عن ليبيا لمجموعات مسلحة. وإفريقيا عليها تحمل الانعكاسات من هذه الفوضى». وحث ديبي أوروبا على أن تتحمل المسؤولية لتخليص البلدان الإفريقية التي كانت سابقا تعيش في سلام من تنظيم بوكو حرام، لأن الأسلحة تأتي من ليبيا. ويعكف مارتن كوبلر مقرر الأمم المتحدة الخاص بليبيا على البحث في مشروع إنشاء جيش وطني ليبي تحت قيادة مدنية، وليس لديه ما يقدمه في هذا الإطار سوى إطلاق نداءات تدعو إلى قبول التحاور في اتجاه مختلف المجموعات. وقال هذا الدبلوماسي الألماني: «إنها عملية ليبية، يجب على الليبيين القيام بواجباتهم. لكن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى الجامعة العربية، كلهم مستعدون لدعم الليبيين».;
مشاركة :