لم تغير الجراحة الفاشلة شيئا في وجه أنا، فقد أظهرت صورها القديمة جمالا في الوجه وتناسقا في القوام كانا سيجعلانها موضع حسد للآلاف من السيدات. العربنهى الصراف [نُشرفي2016/10/22، العدد: 10432، ص(21)] بعد أن أجرت عملية تجميل فاشلة لأنفها، قفزت الأم وهي تحمل طفلها البالغ ثمانية أعوام، من الطابق التاسع من المبنى الذي تسكن فيه، منهية بذلك حياتها التي جللها الاكتئاب بعد أن خسرت زواجها وتبعته سلسلة من العثرات التي تركتها بلا أمل. كان طبيب التجميل قد أقنع “أنا” السيدة الروسية البالغة من العمر 33 عاما، بأن شكل أنفها لا ينسجم وبقية ملامح وجهها وأن عليها أن تجري تصحيحا جراحيا مستعجلا لتعديله، فأذعنت للفكرة وكأنها اكتشفت فجأة أن أنفها هذا قد أصبح مخلوقا مزعجا بدأ يعكر عليها صفو حياتها. لكن النتيجة لم ترق لها كثيرا، عانت بصمت بعد إجراء العملية الفاشلة وبعد أن طوقتها الحيرة، كتبت لأصدقائها في موقع للتواصل الاجتماعي بأنها لا تستطيع أن تبتسم أو أن تعبّر عن مشاعرها بيسر، فعضلات وجهها لم تعد تستجيب لانفعالاتها كما في السابق، وكانت تقول “يبدو أنفي الآن وكأنه أنف خنزير، وكلما حاولت الابتسام تجهمت ملامحي، لا أعلم ما الذي فعله هذا الطبيب فقد أزال إحدى العضلات التي تحيط بشفتي العليا.. أما زوجي فهو يعمد إلى محاكاة صوت الخنزير كلما نظر في وجهي.. كان من الغباء أن أخضع لهذه الجراحة، لا يمكنني تقبل فكرة أن أبقى هكذا إلى الأبد!”. بعد موت الأم وطفلها، أطلعت إحدى صديقاتها جهات التحقيق على أن “أنا” كانت تحتاج إلى علاج نفسي ودعم معنوي بعد مرورها بهذه التجربة القاسية، وكانت لها على الأقل محاولة انتحار واحدة لم يكتب لها النجاح، في تأكيد واضح على تفشي مشاعر الحزن واليأس في روحها. ولهذا، خشيت أن يستغل زوجها تدهور صحتها النفسية ويسعى للحصول على حضانة الطفل، متعللا بعدم صلاحيتها لرعايته بسبب معاناتها من كل ما سبق وكانت تلك ستكون “القشة التي قصمت ظهر البعير”، بحسب تعبير الصديقة. تركت السيدة سيئة الحظ رسالة مقتضبة قبل انتحارها تقول فيها “أردت لطفلي أن يعيش بسعادة وأمان ولكن بدلا عن ذلك أراه يترعرع في جو مشحون بالغضب والكراهية.. لم يكن هذا ما أردته له”. لم يكن واضحا ما عبّرت عنه المنتحرة في رسالتها؛ فهل كان جو المنزل مشحونا بالغضب والكراهية قبل إجرائها للعملية بسبب معاناتها من شكل أنفها غير اللائق، أم بعد فشل الجراحة وما تبعه من إحباط وعدم تصديق، أم أن كلمات السخرية التي كان يطلقها الزوج في وجهها وسيول الابتسامات الصفراء التي عمد على محاصرتها بها يوميا، كانت أكثر من طاقتها على التحمل؟ لم تغير الجراحة الفاشلة شيئا في وجه “أنا”، فقد أظهرت صورها القديمة جمالا في الوجه وتناسقا في القوام كانا سيجعلانها موضع حسد للآلاف من السيدات، لو أنها آمنت بنفسها ولم تستجب للأصوات البشعة التي كانت تصرخ في داخلها وتقول لها بأنها غير جميلة، حتى تمكنت منها فصارت تراقب حياتها بكل ما فيها من أسرة جميلة وطفل ساحر وعمل ناجح، وكأنها تنظر في فراغ. لم تكن “أنا” لتموت بهذه الطريقة البشعة لو أن زوجها أحبها بصدق وزرع في طريق صباحاتها ورودا من كلمات رقيقة، كانت تستحقها بالفعل. هل سيتغير مصيرها لو أن شريك حياتها كان قد أعد لها يوما كوبا من القهوة قبل ذهابها إلى العمل، ووضع عليه ابتسامة إعجاب بدلا عن السكر وهو يقول لها بثقة “لا يهمني كثيرا ما يبدو عليه شكل أنفك، فأنت أجمل امرأة في العالم.. لأني أحبك”! كاتبة عراقية مقيمة في لندن نهى الصراف :: مقالات أخرى لـ نهى الصراف لأني أحبكِ, 2016/10/22 الغضب.. سجن للكراهية يترجم بصورة عنف موجه إلى الآخر, 2016/10/19 ابتسامة دوشين, 2016/10/15 لا كلمة تحمي خصوصياتنا أم تفسد علاقاتنا مع الآخرين, 2016/10/12 القهوة.. أخت الوقت , 2016/10/08 أرشيف الكاتب
مشاركة :