سحب السفراء من قطر والتحديات الأمنية أمام دول الخليج

  • 3/11/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر القرار الصادر عن المملكة العربية السعودية والإمارات ومملكة البحرين في 5 مارس الجاري، بسحب سفرائها من قطر، بداية تحوّل حقيقي في السياسات الخارجية الخليجية، لا سيما لهذه الدول الثلاث، التي تجنّبت طوال السنوات الماضية، الدخول في مواجهة مباشرة علنية مع قطر، واتخاذ خطوات عقابية علنية ضدها، وذلك رغم تعدد قضايا التوتر بين قطر والسعودية من جهة، وبين قطر والبحرين من جهة أخرى، وتزايد الامتعاض الخليجي من سياسات قناة الجزيرة. بينما يعتبر السبب الأكبر وراء استدعاء السفراء هو فشل قطر في الوفاء [بوعودها] وفقاً لاتفاق لم يعلن عنه مسبقاً وتم التوصل إليه قبل 3 أشهر، ومفاده أنه يتعيّن على قطر أن لا «تدعم أي طرف يهدف إلى تهديد أمن واستقرار أي عضو في مجلس التعاون الخليجي. ويفترض أن ذلك هو إشارة تعكس الدعم المقدم لأنصار «الإخوان المسلمين» - وهي جماعة اعتبرتها السعودية والإمارات على وجه الخصوص بأنها جماعة إرهابية بعد بيان الداخلية بداية الأسبوع الحالي. ولعل المتغيّر الذي سمح بمثل هذا التحوّل، هو الموجة الثانية من التحوّلات الاستراتيجية التي فرضتها الثورات العربية على المنطقة، التي لا تتعلق بتغيير النظم السياسية فقط، على النحو الذي فرضته ثورة يونيو 2013 في مصر، بل بتغيير منظومة الأدوار والمكانة في المنطقة بما يتّسق والمناخ العام الذي أصبح سائدًا فيها. وجاءت الموجة الثانية من ثورة يناير في 30 يونيو كي تكشف الحقائق، وتزيل بعض الغموض الذي اكتنف العلاقة فيما بين جماعة الإخوان الإرهابية ودولة قطر، التي دأبت في تسخير وتذليل كافة مواردها المادية والمعنوية للدفاع عن رئيس لفظه شعبه ورفض حكمه، وعن جماعة اتخذت من الدين ستاراً لتحقيق أجندتها، وبعد أن رسمت ونسجت أحلاماً لأتباعها من الفقراء والمساكين بأنهم يدافعون عن الإسلام، وهو منهم براء، فلا نالوا الجنة ولا حكموا الأرض كما خيّل لهم، بل عاثوا ينشرون الفساد والإرهاب والفتن في جموع المصريين وأصبحت الجماعة بمنسوبيها رمزاً للفرقة والفتنة. وتكمن أهمية قرار سحب السفراء من قطر، في كونه قرارًا جماعيًّا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الخليجية، فتاريخيًّا، شهد الخليج، على سبيل المثال، توترًا ثنائيًّا بين السعودية وقطر تصاعد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتوترًا ثنائيًّا بين البحرين وقطر حول الحدود انتهى باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إذ يكشف هذا القرار عن أن حجم التوافقات بين الدول الخليجية الثلاث تجاه السياسة القطرية، أصبح كبيرًا. بجانب ذلك، فإن توقيت القرار يكشف عن وجود «خطوط حمراء» في مواجهة السياسة القطرية، رسمتها هذه الدول، طوال الفترة الماضية، وعملت على إقناع قطر باحترامها، وهي مُتضمَّنة بوضوح في البيان الصادر عن هذه الدول الثلاث، وتتعلق تحديدًا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم دعم أي منظمات أو أفراد تعمل على تهديد أمن الخليج، سواء كان الدعم أمنيًّا، أو بالتأثير السياسي، وأيضاً عدم دعم الإعلام المعادي. ومن الواضح -كما ورد في البيان- أن قطر لم تستجب للجهود التي بذلتها هذه الدول الثلاث، ولا لجهود الوساطة الكويتية، سواء خلال اجتماع 17 فبراير 2014، أو اجتماع 4 مارس 2014 لتغيير سياساتها تجاه قضايا الخطوط الحمراء. وإرساء عرف الخطوط الحمراء في العلاقات بين دول الخليج، والاستعداد لإتباع سياسات عقابية في مواجهة أية دولة تنتهكها قد يستخدم في مواجهة أية دولة خليجية أخرى تنتهك هذه الخطوط الحمراء لا في مواجهة قطر فقط، لا سيما الدول التي تتبع سياسات مستقلة تجاه قضايا تمسّ مصالح مباشرة لدول المجلس ككل. مؤشرات هامة ويمكن تحديد 3 دلالات أو مؤشرات رئيسة لقرار سحب السفراء. تتمثل الدلالة الأولى في أنه من الواضح، أن هناك «عملية تأمين» في التفاعلات بين دول الخليج ، على نحو أصبح معه وجود تصورات لدى دول الخليج الثلاث، بأن ما يهدد أمنها يأتي من داخل الخليج لا من خارجه. وهذا ما تدعمه عدد من التطورات التي حدثت مؤخرًا في الدول الثلاث؛ فعلى سبيل المثال، لم تتخذ حكومة قطر إجراء في مواجهة الشيخ القرضاوي مفتي جماعات الإرهاب، بعد احتجاج الإمارات رسميًّا في 3 فبراير 2014، على خطبة الجمعة التي «تطاول» فيها على الإمارات، وذلك بجانب ما يتردد عن توفير قطر ظهيرًا خليجيًّا لتحركات الإخوان في بعض دول الخليج، وما تردده عدة دوائر في البحرين عن دور قطر في دعم جمعية الوفاق المعارضة، وعدم تبادلها المعلومات الخاصة بعدد من الجماعات الإرهابية النشطة في البحرين، فضلاً عن دعمها نشاط الإخوان المسلمين المصريين في الخارج، الذي له أثر في نشاط الإخوان في الخليج بحكم أثر الانتشار، وهي كلها تطورات تهدد أمن الدول الثلاث. وقد عملت الاتفاقية الأمنية الخليجية، على وضع أسس لضبط هذه التفاعلات الأمنية بين الدول الست، ومن ثم قدّرت هذه الدول أن عدم التزام قطر بما ورد في الاتفاقية، من خطوط حمراء كما سبقت الإشارة، وعدم تعاونها في تبادل المعلومات، وغيرها من الإجراءات يستدعي اتخاذ إجراء عقابي في مواجهتها. ويعدّ هذا التوجه لحماية أمن التفاعلات الخليجية، «تحولاً» عن الأساس الذي استند إليه مجلس التعاون عند نشأته في 1981، والذي قام على تصوّر مشترك أن مصدر التهديد لدول المجلس الست لا ينبع من داخل هذه الدول، بل من الجوار المحيط ممثلاً في العراق وإيران، وأن المجلس بمؤسساته يهدف إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الدول، وهو ما قد يمهّد لتغيّر ما في المجلس كمؤسسة جامعة للدول الست، وفي نمط التفاعلات بينها. وتنصرف الدلالة الثانية إلى تشكل مناخ خليجي يرفض السياسات القطرية، فهذا القرار الجماعي يمثل عامل ضغط على أمير قطر الجديد الأمير تميم، للتعامل مع تحدٍّ طالما كان مؤجلاً، منذ اندلاع الثورات العربية نهاية 2010، وهو خاص بالشرعية الخليجية لسياسات بلاده الخارجية، فمنذ توليه الحكم وما صاحب ذلك من تحولات استراتيجية في المنطقة كشفت عن خسارة قطر الرهان على الإخوان المسلمين في مصر، وجعلت قطر من نفسها مأوى للإرهابيين مما تسبب في زعزعة استقرار مصر، بل وحرّضوا علانية على القتل والتنكيل بالمصريين!!. يمكن القول إن هذا القرار الجماعي، قد يفكك اللغز القطري، الذي لطالما سيطر على التحليلات الخاصة بالتفاعلات في الخليج، في الفترة التالية على الثورات العربية، وكذلك اللغز الخليجي في التعامل معه، فقد كان من الصعب تفسير صمت دول الخليج تجاه السياسات القطرية خلال تلك الفترة، رغم أنها مثلت مصدر تهديد لأمن هذه الدول في المنطقة، وهو ما قد يعيد تشكيل خليج جديد، مختلف عمّا عرفناه من قبل، وهو أمر سيتوقف على درجة استجابة قطر للضغط الذي يمثله القرار الجماعي، وللوساطة الكويتية، باتجاه إحداث تغيير في سياستها تجاه القضايا الثلاث التي تهدد أمن هذه الدول السابقة الإشارة إليها. ويمكن في هذا الإطار تحديد بعض التداعيات المحتملة،بأن ينصرف التداعي الأول إلى تشكيل مجموعة توافق خليجي في داخل المجلس، قد يعيد توجيه نشاطه، خاصةً أنه طوال الفترة الماضية، اتضح كون المجلس مجرد إطار لا يوفر أطرًا لتنسيق السياسة الخارجية للدول الست، واتجاه الدول الثلاث إلى معاقبة قطر، بسحب السفراء الذي هو إجراء ذاتي، ولا يستند إلى أي مادة في النظام الأساسي المنشئ للمجلس؛ ما قد يستدعي إعادة النظر في آليات عمل المجلس. وتتمثل القضية الثانية في تداعيات هذا التحرك على إقليم الشرق الأوسط، التي من المتوقع أن تكون محدودة، مرتبطة تحديدًا بالموقف المصري من قرار سحب السفراء، خاصةً أن علاقات مصر مع قطر متوترة منذ ثورة 30 يونيو. ورغم أن موقف دول الخليج من قطر مثَّل قيدًا على سلوك مصر تجاه قطر طوال الفترة الماضية، فإن هناك قيودًا أخرى قد تجعل مصر تتجنّب التصعيد مع قطر، منها قيد العمالة المصرية المقيمة في قطر، وكذلك قيد الاستثمارات القطرية في مصر، سواء الرسمية الخاصة بالحكومة، أو غير الرسمية التي ينفذها رجال أعمال قطريون. الاتفاقية الأمنية: لم تر النور بعد!! وعلى الرغم من أن التعاون في المجال الأمني شكَّل إحدى الركائز الأساسية التي قامت عليها منظومة مجلس التعاون، وذلك منذ نشأة المجلس حتى الآن، إلا أن الإنجاز الأهم في هذه المسيرة -والمتمثل في الاتفاقية الأمنية الخليجية- لم يرَ النور حتى هذه اللحظة!!. فمنذ الاجتماع الأول لوزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي، والذي عُقد في الرياض يومي 23 و24 فبراير 1982، تم تحديد مبادئ وأهداف التعاون الأمني بين دول المجلس في الاتفاق على توقيع اتفاقية أمنية شاملة بين الدول الأعضاء، ولم يتم التوصل إلى هذه الاتفاقية في صيغتها الأولى إلا في عام 1994، ولم تدخل حيز التنفيذ بسبب رفض بعض دول المجلس لنصوص الاتفاقية لمخالفة بعضها نصوص الدستور. وحتى بعد التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية في عام 2012، لم يُصادق عليها بشكل نهائي سوى المملكة العربية السعودية (سبتمبر 2013)، والبحرين (نوفمبر 2013) ومؤخرًا سلطنة عمان (فبراير 2014)، ويتبقى 3 دول وقعت على الاتفاقية ولم تصادق عليها بعد، وهي: الكويت، والإمارات، وقطر. من حيث المبدأ، يمكن القول إن وجود اتفاقية أمنية خليجية تكون بمثابة برنامج عمل تنظيمي يدعم جهود التنسيق الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ هو أمر تبرره عوامل عديدة، لعل أبرزها ما شهدته دول الخليج من عمليات تجسس، خاصةً في السنوات الأخيرة، إضافةً إلى الأوضاع الأمنية المتردية، وتصاعد القلاقل في دول مجاورة، واحتمال امتدادها إلى دول مجلس التعاون، كما تبررها حاجة دول المجلس إلى تنظيم التعاون بينها في مواجهة جرائم الأمن العام، على غرار تجارة المخدرات، وملاحقة شبكات التجسس، والتخريب، والهجرة غير المشروعة، ومكافحة الجرائم الاقتصادية، ومواجهة الجرائم الإلكترونية التي -وفق بعض التقديرات- تُكبد دول الخليج خسائر تقدر بـ735 مليون دولار أمريكي سنويًّا، وغيرها من مجالات التعاون التي تنعكس في النهاية على أمن المواطن الخليجي.

مشاركة :