يكفي كلاماً وتحركوا للتغيير: القوة الداخلية أساساً لمواجهة تحديات الخارج | وائل مرزا

  • 10/23/2016
  • 00:00
  • 43
  • 0
  • 0
news-picture

الجزء الأول من العنوان أعلاه هو للمستشار المصري المخضرم طارق البشري. وكان قد نشرَ تحته مقالاً، منذ بضع سنوات، فيه أكثر من خصوصية تلفتُ الانتباه. فمن جهة، كان المقال فريداً في أسلوب الرجل الذي عُرف عنه الكتابة في عالم الأفكار، تحليلاً لواقع مجتمعه وعرضاً لتحدياته وطرحاً لأسئلته، مع الإشارة بشكلٍ غير مباشر إلى ملامح الحلول والإجابات. فالمثقف يرى في إشاعة هذا التفكير من خلال الجهد العلمي والإعلامي دافعاً يُحرك أصحاب العلاقة، في الشعوب والحكومات، لإصلاح الواقع عملياً من خلال البرامج والخطط والقوانين. غير أن الرجل وصلَ وقتَها، فيما يبدو، إلى مرحلة صدمةٍ باتَ فيها مضطراً إلى الكلام بأسلوبٍ مختلف وبصراحةٍ أكبر. لم أجد في أرشيفي، للأسف، إلا مقدمة المقال الطويل، لكنها كانت مُعبرةً بشكلٍ واضحٍ عن مقصدهِ منها، إذ بدأ بالقول: «لقد تكلمنا بما يكفي وزيادة، واستنفد الكلام غرضه بما وَصلَ إليه من مقررات يكاد ينعقد عليها إجماعُ من تهمهم شئون بلادهم، ولم تبقَ الآن زيادة لمستزيد في هذا الشأن، ولقد ذاع ذلك كله وتناولته الصحف والأحاديث بما صار به عِلماً عاماً، ولم تبقَ إلا الحركة، والمطلوبُ هو تلك الأفعال التي تفضي إلى الإزاحة العملية لما هو ضارٌ ومخربٌ وظالمٌ ومستبدٌ وغير وطني، لا يرعى مصالح الجماعة السياسية في يومها ولا في غدها ولا في مستقبلها، ويمكّن أعداءها فيها، ويجعلهم المسيطرين عليها، والحاكمين لها وأصحاب القرار النافذ فيها... ونحن أمام وضعٍ عجيب، فليس الفكرُ فقط هو ما بلغ منتهاه فيما يُفصِحُ عنه من مهام مطلوبة في هذا الوقت في هذا البلد، هنا والآن، ولكن الدعوة السياسية والإذاعة الإعلامية والإشاعة.. كل تلك تكاد تكون بلغت منتهاها أيضاً في القدرة على الإسماع والانتشار». أما الخصوصية الثانية المتعلقة بالمقال فتكمن في حقيقة أنه جاء قبل اشتعال الثورات في بعض البلاد العربية، وماتلاها من تغييرات تاريخية، وَصَلت بالعرب جميعاً إلى واقع اليوم بمافيه من مخاطر وتحديات. وأذكرُ تماماً أنه تنبأ في المقال بحصول ماحصلَ فِعلاً بعد ذلك. لم يكن الرجل يعلم الغيب ولا «يضرب المندل» كما يقول المثل العامي، وإنما كان يقرأ قوانين الاجتماع البشري التي يجهل البعض أن قوتها وتماسُكها يُماثِلُ قوة القوانين الفيزيائية، وأنها كانت دوماً تحكمُ حركة ذلك الاجتماع عبر التاريخ، في كل زمانٍ ومكان، وستبقى تحكمهُ وتتحكم فيه، دون أن يجد أحدٌ مهرباً من هذه الحقيقة، تماماً كما هو الحال مع قواعد الكيمياء والفيزياء. لهذا، يبدو التذكير بها واستحضارُها، اليوم، مسؤوليةً لامفرَّ منها. لم يعد ثمة جدالٌ في وجود وطبيعة التحديات الخارجية الضخمة التي تواجه العرب اليوم، وتحديداً، من لايزال يملك أوراق الفعل البشري منهم. وفي حين يبقى مشروعاً، ومطلوباً، التعاملُ مع تلك التحديات من خلال سياسات خارجية تستوعبها بكل شكلٍ ممكن، تظل القوة الداخلية للمجتمع والدولة، بعناصرها المعروفة، الأرضية الصلبة التي تتأكد في وجودها إمكانيةُ التعامل مع كل تحدٍ خارجي في نهاية المطاف. نعم، الكل يسمع ويقرأ عن نية الإصلاح والجهود المتعلقة به في أكثر من مجال. لكن استفراغ الوسع، عملياً، في هذا المجال، يبدو أولويةً قصوى لايمكن التهاونُ فيها. خاصةً وأن «مايجب فعله» لم يعد سراً يحتاج لبحث وتنقيب، اليوم، تماماً كما وصفَ البشري الحال منذ سنوات. في كتابه الشهير عن «فن الحرب»، يقول الاستراتيجي الصيني صن تسو: «يُعلمنا فنُّ الحرب ألا نعتمد على احتمال عدم مهاجمة العدو، بل على استعدادنا لمنازلته، وعلى حقيقة أننا جعلنا أنفسنا في موقع من لاتُمكنُ مهاجمتهُ أصلاً». ثم يقول في موقعٍ آخر: «عامل رجالك كما تعامل أولادك المحبوبين، وسيسيرون تحت قيادتك إلى أعمق الوديان». ثمة علاقةٌ وثيقة بين المقولتين يجدر التفكير بها على الدوام. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :