يخاطب النظام الإيراني العرب خطابا إمبراطوريا فارسيا متعاليا، لكونه الآن وبعد تفتيت العراق إلى فيدراليات طائفية، يطمع لأن تكون إيران الدولة الأقوى في المنطقة، وهو توجه طائفي محض مشبع بشوفونية نرجسية فارسية، في حين كان الأجدر بهذا النظام التصرف باعتباره يدير دولة كبيرة في المنطقة كان ينبغي أن تراعي جيرانها من عرب ومسلمين، بدلا من هذا التصرف الطائفي المقيت. ويتحدث ساسة إيران بخطاب مزدوج ذي اتجاهين؛ أحدهما «سني» عندما يخاطبون عواطف المسلمين في غزة وأفغانستان، وآخر شيعي يزعم مناصرة أهل البيت. أما عن ثوب «الديمقراطية» الذي تلبسه، فهو ثوب فضفاض واسع المقاس، محكوم بمرجعيات ودستور ومجالس لا تعترف بالديمقراطية أصلا، فالتغيير لم يحدث ولن يحدث في ظل دستور ثيوقراطي جامد، فلم تثبت سياسة إيران الخارجية جدية خطابها ومفهوم «أميركا الشيطان الأكبر» الذي ما انفكت تكرره منذ عام 1979، لحشد الجموع حوله بعد تغييب العقل الجمعي لهم، بينما الدبلوماسية الإيرانية تفاوض وتقدم التنازلات لإرضائه بكل السبب حتى لا تبقى الملفات الثلاثة عالقة، ومنها الملف النووي والاعتراف بإسرائيل، وملف العلاقات الأميركية والغربية؟ رغم محاولات البعض قبول إيران في المجتمع الدولي، بعد وضعها على قائمة محور الشر، فإنها تبقى ضمن منهج العصا والجزرة ولا بد له من فاتورة باهظة، مليئة بالتنازلات غير الكثيرة. لا شك أن هناك أزمة لدى بعض من يدور في فلك إيران في ثنائية الهوية والانتماء للوطن وحدوده الجغرافية المحددة، أو للإمام الفارسي وتحديدا الولي الفقيه، فالدور الصفوي واضح في بلاد العرب، وبارز أكثر في لبنان والعراق واليمن، حيث ميليشيات الحشد «الشعبي» والحوثي في جبال صعدة في اليمن وفي البحرين، بل وحتى محاولات التسلل إلى جبال ليبيا البلد السني مائة في المائة، وهذا قد يبرر السلوك الإيراني في المنطقة المتأرجح بين المد الفارسي والمد الصفوي، وأجندة خلط الأوراق والتدخل في شؤون الدول الأخرى وصناعة شخوص محلية تخدم أجندات إيرانية خالصة. الذراع الإيرانية في العالم العربي المتمثلة في مجموعة ميليشيات منها ميليشيا «حزب الله» في جنوب لبنان بقيادة حسن نصر الله، والذي يقاتل في العراق وسوريا بحجة حماية «المراقد» الشيعية، وميليشيا بدر بقيادة عبد العزيز الطبطبائي، وميليشيا الحوثي، جميعها ميليشيات داخل دول من المفترض أنها ذات سيادة، ميليشيات بسلاح إيراني تخدم أجندة فارسية في بلاد العرب، ساعد على بروزها الصمت والبراغماتية الأميركية، فكلما زاد الضغط على البرنامج النووي الإيراني، تحرك إيران هذه الميليشيات لكسب تسامح مع برنامجها أو لكسب موقع أفضل في المفاوضات. النظام الإيراني لا يهمه الإسلام «شيعيا» كان أم «سنيا» بقدر ما يهمه عودة الإمبراطورية الفارسية للمنطقة، والانتقام لهزائم الماضي، فالنظام الثيوقراطي في إيران الذي يكرس ولاية الفقيه عبر مجلس الوصاية على الدستور منع الوطنيين وأنصار الدولة المدنية من خوض الترشيح لأي مناصب حكومية، وبذلك فقدت فرصة التغيير الحقيقي، رغم أن الكثيرين في إيران ينشدون التغيير والتحرر من عباءة خامنئي، ولهذا فشلت أي محاولة للإصلاح أو اختراق المنظومة الخمينية، وكأن لسان حالهم يريد القول إن ما كانوا يفعلونه في الماضي لم يكن إصلاحا أو أنه كان فاسدا، فالرئيس المقبل «المنتخب» هو رجل نظام ثيوقراطي، يدعمه جهاز الباسيج الأمني، لقمع معارضيه في حين الحرس الإيراني يرسل إشارات، لتهديد الإصلاحيين، أي لا أمل لكم في التغيير بمعنى آخر.
مشاركة :