في تقديري أن ما يسمى بالربيع العربي فضح أول ما فضح الحزبيين الشموليين المتأسلمين، وعلى رأسهم (جماعة الإخوان المسلمين) والمنظمات المنبثقة عنها، وأظهر للعيان أن هذا النوع (الإسلام المسيس) من شأنه أن يؤدي بالمجتمعات إلى التناحر والتطاحن وشلالات الدماء. وهو ما بدا واضحًا في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن؛ كلها كانت تجارب متباينة في ظاهرها، إلا أنها تتفق فيما بينها على أن التأسلم السياسي قد يؤدي إلى نسف الأمن والاستقرار وانفراط العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين. التجربة الإسلامية الوحيدة التي حققت نجاحًا ملحوظًا في العالم العربي هي التجربة الإسلامية المغربية المتمثلة في (حزب العدالة والتنمية). فقد جربها المغربيون مرة، ثم عادوا إلى اختيارها مرة أخرى، ما يعني أنها بالفعل كانت تجربة ناجحة على الأقل مقارنة بمن كانوا منافسيها. ومن يقرأ هذه التجربة قراءة متفحصة، يستطيع أن يلمح من طرحها أنها اعتمدت في مسيرتها العملية والنظرية (الإسلام التنموي)، وليس الإسلام الثوري)، الذي تتبناه - مثلاً - جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما أشار إليه بالنص وبطريقة مباشرة «عبدالإله بن كيران»، الذي أكَّد أن حركتهم لا علاقة لها البتة بجماعة الإخوان، وأنها تختلف معهم اختلافًا جذريًا في التصور والممارسة. ومن أهم ما تتميز به هذه الحركة الإسلامية أنها تفصل بين الشأن الدعوي والسياسي، وأنها تعد الوطن بمعناه السيادي الجغرافي المحدود هو الحيز الذي تمارس فيه نشاطاتها السياسية، ولا تتعداها، أما الأمة أو بلغة أخرى (الشأن الأممي) فهو من اختصاص الدعوي - (الواعظ أو رجل الدين) وليس السياسي. كما أنها تقبل الآخر ولا تلغيه، بل قد تقبل به حاكمًا وتبقى في المعارضة، وربما تتحالف معه في الشأن السياسي، وتعطي الولاء المطلق للملك، باعتباره مصدر السلطات الثلاث، وأمير المؤمنين، وهو فقط القادر على الجمع أو التفريق بين الشأن السياسي والديني، وإعلان الحرب وإقرار السلام، ولا يتعالى عليه أحد، أو يُطالب بالتمرد على سلطانه. وقد هاجم حركة العدل والتنمية سلفيو المغرب، واعتبروا (فصلها) بين الشأن السياسي والدعوي، ضربًا من ضروب العلمانية، إلا أنهم عادوا وقبلوا بالدخول في الممارسة الديمقراطية مؤخرًا، حيت دخلوا في الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة. والإسلام السياسي المغربي صورة من صور الإسلام السياسي المعاصر والمتحضر، الذي يتماهى مع المتطلبات الوطنية ولا يتعالى عليها ولا يثور على ثوابتها، في حين أن الإسلام السياسي المعاصر في المشرق العربي، كان إسلامًا ثوريًا تغييريًا، يسعى إلى نسف ثوابت نظرية الطاعة عند أهل السنة والجماعة، تجربة الإسلام السياسي المغربي وتجربة الإسلام السياسي في المشرق المتمثل في جماعات الإخوان وما انبثق عنها تجربتان معاصرتان، المغاربة طبقوا نظريتهم على أرض الواقع وحققوا نجاحًا لافتًا، في حين فشل الإخوان المسلمون. وبلغة أخرى فشل الإسلام الثوري الهدام ونجح الإسلام التنموي البناء. إلى اللقاء
مشاركة :