حين يصل اللاجئ إلى أي بلد أوروبي، بينما تكون أسرته لا تزال في بلده، فإن مسألة لمّ شمل تلك الأسرة تشغل باله في الليل والنهار، وغالباً ما يعيش متيقظاً تجاه أي خبر جديد يخص هذا الموضوع. وعندما بدأت ألمانيا تعطي أعداداً من اللاجئين السوريين حماية جزئية، أي إقامة مدتها عام واحد، كبرت مساحة الخوف لدى أعداد كبيرة لم تحصل بعد على حق الإقامة والسبب أن هذا الشكل من الإقامة لا يسمح للاجئ بلمّ الشمل، بينما يستطيع اللاجئ الحاصل على إقامة مدتها ثلاث سنوات طلبَ لمّ شمل عائلته. وقانون لمّ الشمل هو أحد قوانين الاندماج في ألمانيا ويهدف إلى جمع شمل الأشخاص المقيمين في ألمانيا بذويهم المقيمين خارج ألمانيا، ويشترط القانون على من يرغب في لمّ شمله بأسرته في ألمانيا أن يكون حاصلاً على حق الإقامة فيها سواء من طريق الهجرة والعمل في ألمانيا، أو من طريق اللجوء، أو للمقيمين فيها لأي سبب كان. ولكن قانون «لمّ الشمل» وتنفيذه تحوّلا الى مشكلة بسبب الضغط الكبير على السفارات الألمانية في البلدان المجــاورة لســورية، خصوصاً في لبنان. عماد طاهر(سوري) أب لأربعة أطفال، يعيش الآن في مدينة نيو براندبورغ الألمانية في مقاطعة ميكلن بورك منذ 13 شهراً، حصل على إقامة مدتها ثلاث سنوات منذ خمسة أشهر. في حديثه لـ «الحياة»، يشرح صعوبة الوصول إلى السفارة الألمانية في بيروت التي أصبح الحصول منها على موعد من أجل لمّ الشمل يحتاج إلى وقت طويل وأحياناً تردّ السفارة على البريد الالكتروني بعد خمسة شهور، ليكتشف بعدها اللاجئ السوري مثلاً أن موعده بعد سنة ونصف. ويعتقد طاهر أن هناك عمليات احتيال تحدث من جانب بعض المكاتب في دمشق والمختصة بإرسال الأوراق إلى السفارة في بيروت، حيث وصلت المبالغ التي يدفعها الناس لتحصيل وتقريب الموعد بالسفارة الى 3000 دولار. دريد المأمون (سوري) مقيم حالياً في برلين مع أسرته وقد سبقته زوجته إلى ألمانيا وأجرت له معاملة لمّ الشمل، بينما كان هو في أثينا، يرى أن السفارة ليست سوى مكتب بريد بين المواطن والبلد المقصود ويشرح لـ «الحياة»: «يجرى تقديم الأوراق بعد تصديقها من سفارة البلد المقصود وتقديمها للسفارة بالبلد الذي تكون الأسرة فيه (تركيا، لبنان، الأردن، مصر) حيث تستلم السفارة الأوراق وترسلها للبلد المقصود ووفق عدد الأولاد وأعمارهم والمحصلة الدراسية لكل الأشخاص المتقدمين بالطلب تدرس الطلبات بالبلد المقصود وترسل الإقامة الموقتة للأشخاص الطالبين لمّ الشمل، والسلطة في البلد المضيف هي من يقرر ويحدد موعداً للأسرة في السفارة ولا علاقة لموظفي السفارة إطلاقاً بتحديد الموعد». ويتابع: «في البلدان العربية ومن طريق سماسرة هم تجار للأزمة، يوجد مكاتب توهم الناس بأن لها علاقة بالسفارة، وربما فعلاً لهم علاقة بالسفارة، أي اخترقوها من طريق معرفة بعض الموظفين فيها وعلى الأغلب يكونون من غير الألمان، ويبدأون بجمع الأموال من المواطنين والمبالغ التي تدفع كبيرة والغريق يتعلق بقشة». كانت السفارة الألمانية في أثينا في منتهى اللطف معه، حيث انتظر الوقت اللازم حتى حصل على الفيزا للسفر إلى عائلته. عماد طاهر يسرد تكلفة الوصول إلى الأردن وأن هناك مبلغاً كبيراً يجب دفعه (7 آلاف دولار)، وهناك مكتب وحيد في دمشق في منطقة الحلبوني يمكن من طريقه تأمين موعد في السفارة الألمانية في عمان، وصاحب المكتب يطلب من الراغب دفع مبلغ 500 يورو لأجل هذا الغرض ويصرّ على حصوله على نصف المبلغ قبل أن يفعل أي شيء، ولكي يتمكن السوري من تأمين موعد في السفارة الألمانية في ايران أو الهند يجب أن يقيم فيها ستة أشهر حتى يمكنه تأمين موعد للمّ الشمل في تلك البلدان، أما في تنزانيا فلا شروط مسبقة من أجل الوصول إليها للحصول على لمّ الشمل. بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، يمكننا التعرف إلى مدى الأرق الذي يعيشه اللاجئ وهو ينتظر حصوله على موعد في السفارات الألمانية من أجل لمّ الشمل، فالإعلامي السوري ماجد مرشد اضطرت أسرته للسفر إلى الهند لتتابع من هناك موضوع لمّ الشمل، وإعلامي آخر تمكن من تأمين موعد قريب في السفارة الألمانية في بيروت ووصلت أسرته منذ أيام إلى ألمانيا. وتستمر المعاناة بين سوري في الداخل ينتظر الوصول الى أسرته في البلدان الأوروبية وبين سوري آخر يعيـــش تــحت القصف والغلاء والخوف.
مشاركة :