ما يحدث في سورية هو تكرار لسيناريو الحرب الأهلية اللبنانية لكن مع اختلاف الأماكن والشخوص، فالحوادث هي ذاتها وإن تغيرت إنما للمسة العصر الحديث بصمة فيها، إذ اقتحم النظام السوري حياة اللبنانيين منذ أوائل العام 1975 وما قبله وبكل الوسائل من أجل السيطرة على لبنان وجعله مقاطعة سورية. فبيروت الغربية والشرقية موجودة الآن في حلب ودمشق والمناطق السورية، والقتل والنهب والاغتصاب والحرق والتهجير هي ذاتها المأخوذة عن سيرة الحرب اللبنانية، لكن هذا لا يمنع أن الأحزاب اللبنانية كان لها الدور الأكبر في حربها لأن لبنان منذ القدم كان تحت حكم الزعامة والطائفة والدين بدلاً من حكم القانون وسيادة الدولة، ما جعل سورية تتدخل بقوة فاخترق النظام السوري البعثي جدار الدولة اللبنانية واستطاع نظام الأسد أن يجزئ الطوائف والأحزاب تحت سقف التحالفات والجبهات. فما يحصل الآن في سورية هو تحصيل حاصل لمأساة عاشها اللبنانيون لسنين طويلة، فكل القوى العظمى تدخلت في لبنان كي تجد حلولاً إيجابية توقف نزيف الحرب، لكن المحاولات فشلت بين التفجيرات والاغتيالات، ولم يسلم شيء في حرب لبنان بل أخذ كل شيء نصيبه وربما أضعاف النصيب. ففي خضم هذه المهزلة الكبرى التي تسمى بالحرب، كان الشعب السوري أيضاً ضحية الأفعال الشنيعة التي ارتكبها البعثيون السوريون بقيادة الأسد الأب، فلم يكن في الحسبان أن ما يحدث في لبنان يمكن أن يحدث في سورية يوماً ما. إن المشهد الحالي في سورية هو نسخة طبق الأصل عن المشهد اللبناني، وهنا تكمن مهمة الباحث والمتقصي للتأريخ في إيجاد الصلة بين ما حدث هناك وما يحدث هنا، فالحضارة رغم حملها صفات معنوية باعتبارها رمزاً لمن يعيشون مرحلة من مراحلها، لكنها تقوم بدورها وتربط الأحداث في ما بينها، وبالتالي تصنع شيئاً ليس جديداً بل حدث في مرحلة أخرى من الحضارة، والحروب والمجازر والجرائم التي ارتكبت على مر العصور خير دليل على ذلك لأن المنطق يقول أن حروباً كهذه لها صلات خفية في ما بينها لا يدركها الإنسان العادي أو المتصفح الأخبار في الجرائد في شكل عابر بل تأتي من خلال تقصي الباحث والمهتم عن كل ما كتب وتم توثيقه عن مرحلة ما من الحضارة. لقد أقامت الجهات المتحاربة في سورية تحالفات وجبهات حملت الأسماء الثورية نفسها التي حملتها حركات وجبهات الحرب اللبنانية، فالأسماء تختلف لكنّ هناك جسراً يربط معانيها بمصطلح الثورية، والمدن التي حصدتها آلة الحرب دمرت عن بكرة أبيها وأصبحت الهجرة تهز أعماق الحضارة الأوروبية. واذا كان القتل على الهوية الطائفية سمة حرب لبنان ففي سورية القتل على الهوية السياسية، فالوضع المتأزم قبل الثورة السورية كان يؤشر الى احتمال اندلاع حرب في سورية. وبما أن أخطاء النظام السوري البعثي قد طاولت دول الجوار وغيرها وفي الداخل وبين أفراد المجتمع السوري، وهذا كان كافياً كي تندلع انتفاضة ضد النظام الحاكم في سورية. أي باختصار ومن دون الدخول في تفاصيل الأحداث والتواريخ ما حدث في لبنان يحدث الآن في سورية، فكل المقومات والعوامل هي ذاتها وقد استجمعت قواها وكررت المشهد الشنيع نفسه، والضحية هي الشعب السوري الذي دفع فاتورة الحرب الأهلية اللبنانية وبأضعاف قيمتها الحقيقية.
مشاركة :