من عطايا المولى "العقل"، نعمة تجعلك تبصر حقيقة الأشياء، فتتأمل وجودك وتتساءل عن سبب نشأتك، بل ويدفعك فضولك إلى القيام بعدة تجارب بغية استكشاف عوالم جديدة. عقل جعل من الإنسان مخلوقاً مفكراً ومدركاً لما يجول حوله من أحداث وظواهر متنوعة، فبواسطته استطاع الفهم والتحليل وكذا الغوص في أعماق الأشياء وفك رموزها، بل ومكنه من القيام بمختلف العمليات الذهنية المعقدة التي تتطلب جهداً كبيراً وتركيزاً أكبر. كل هذه الدلالات تحيل إلى معجم واحد أنه "الوعي"، وعي الإنسان بذاته وكيانه، فكما لا يخفى على أحد أن العقل يُعد ركيزة أساسية للإدراك والاستيعاب وبذلك التمييز بين الخطأ والصواب، الخير والشر، النافع والظاهر. لكن، هل كل إنسان عاقل هو واعٍ؟ سؤال يطرح ذاته بشدة، ولا سيما في مجتمعاتنا العربية، فكيف لإنسان عاقل أن يقدم على اغتصاب براءة طفل؟ أو آخر يُفضل الانتحار ووضع حد لحياته عوض مواجهة عقبات الحياة القاسية؟ أين المنطق من كل هذا؟ إنها صور نمطية وشهادات صادمة من واقع مجتمعنا، تثير الاستغراب وتؤجج في النفس مشاعر الذهول والاستنكار. مع الأسف، فعلى ما يبدو ليس كل فرد عاقل هو واعٍ، فالوعي ينبثق عن الشخص ذاته، شخص يحتكم إلى ضميره الأخلاقي، نعم، ذلك الصوت الخفي العميق الذي يُنبهك لهفواتك ويُؤنبك لكثرة أخطائك، إنه بمثابة الشرطي الذي يحرص على سلامتك وأمنك برسم حدود تحفظك حتى لا تقع في دوامة لا تكاد تفك طلاسمها. إن ضميرنا الأخلاقي لم يسبق وجودنا، فلا شيء يأتي من فراغ، بل نحن من نسهر على تكوينه طوبة طوبة؛ إذ إنه نتاج لتراكم عدة مبادئ وقيم تلقاها الشخص في مختلف مراحل حياته، وهنا يكمن الفرق، فإما أن تسلك نهجاً سوياً يتوج بوعي إيجابي، يجعل منك فرداً فعالاً تسعى إلى الارتقاء والسمو وكذا تطوير كفاءته، معتبراً أن المصلحة الخاصة تذوب في خضم المصلحة العامة.. أو تسقط في مطبات الجهل فتتبنى وعياً سلبياً قد يقودك إلى ما لا تُحمد عقباه، مثل التطرف وإثارة الوخيمة على الفرد والمجتمع. إن أمة لم ولن تتقدم حتى تنفض الغبار المتراكم عن فكرها وتحرره من التابعيات الواهية، فترسخ لدى أفرادها وعياً يَقيها من براثين الانحراف الفكري، فالوعي ثقافة تُرسخ ومبادئ تُكتسب، لتسمو بالفكر وتنور مدارك المرء وتمنع عنه تداعيات الجهل، فكما قال ديكارت: "لا يكفي أن يكون لك عقل جيد المهم أن تستخدمه بشكل جيد". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :