لم أكن متفائلة بالهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة، والتي بدأ السريان بها الأربعاء الفائت، أو هكذا خُطط لها. كلنا أردنا تلك الهدنة: المملكة كطرف في النزاع، الشرعية اليمنية، الجياع والمرضى الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء. لم أكن متفائلة ليس لأنها الهدنة الخامسة بعد أربع قبلها باءت بالفشل. الأولى والثانية كانتا في مايو ويوليو 2015، الثالثة كانت بطلب التحالف العربي في يوليو ذاته، الرابعة في إبريل اللاحق من ذات العام. 125 اختراقاً خلال العشر ساعات الأولى للهدنة لم تكن السبب في يأسي التام من التزام ميليشيات الحوثي للهدنة التي كانت ستصنع انفراجة لضيق الأوضاع الصحية والسياسية في اليمن؛ بل لأنني أعرف أنّ الحوثيين لا يفكرون بعقل اليمني ابن البلد، ولم يعد يرى ذاته كجزء من هذه الأرض الذي غذت منابته وترعرع بها، ووهبته العافية لينكص على عقبيه ويصبح جاحدًا وعاقًا. هو الآن مرتبط بحبل سري مباشر بالخمينية التي لا تؤمن بالهدنة والاتفاقات والمعاهدات الدولية. للحد الذي يجعل التنبؤ بتحركاتهم وردود أفعالهم غاية في البساطة إذا ما عُدت لفكر الخميني وفهمت غاياته. في حرب العراق وإيران، الحرب التي حازت على لقب أطول نزاع سياسي في القرن العشرين، التي دامت ثماني سنوات، والتي خلفت مليون قتيل وملايين الثكلى والأيتام، و قرابة 400 مليار دولار كخسائر مادية. تم تقرير هدنة اقترحتها الأمم المتحدة في 8 أغسطس 1988. الهدنة التي وصفها الخميني بـ»كأس السم»، كما يحلو له إسباغ المسميات والألقاب حسب ما يصب في صالح مشروعه أو ضده . أليس هو الذي أطلق اسم «دفاع مقدس» على حربه في العراق؟. الخميني كان بإمكانه أن يخترق أي هدنة أو اتفاق دولي بلا أدنى مبالاة، مثل طفل يرفع صوته بالبكاء ليستجيب له الكبار! سمّاها كأس السم لأنه كان يريد أن تعترف الأمم المتحدة والعالم بأنّ العراق هو المعتدي (رغم أنّ الدبابات الإيرانية كانت تتمدد في الأراضي العراقية وقتئذ). وإقرار تعويضات تصل لـ200 مليار دولار! القاعدة 48 لروبرت غرين في كتابة قانون السطوة تقول: «جمودك على أسلوب محدد يمكِّن عدوك من رؤية تحركاتك وقراءة ما تخطط له ويسهل هجومه عليك، خطط لكل شيء مسبقًا حتى ترى الأمور بوضوح، لكن لا تسمح لأعدائك بفهم ما تفعله بالحفاظ على حراكيتك ومسايرتك للأحداث، ولتعلم أن الواقع لا يكون دائماً يقينياً وأن القوانين تتخذ دائماً أشكالاً جديدة» الحوثيون متجمّدون، مكررون، متاحون للتنبؤ، وهذا ما يجعل هزيمتهم حتمية تاريخية لو أحسنا استثمار نقطة ضعفهم تلك.
مشاركة :