مرة أخرى، أظهرت نقاشات جزء مهم من النخبة الإعلامية الروسية، ومعها طيف من «الضيوف» الذين شاركوا في الدورة الثانية عشرة لمنتدى «الإرهاب ووسائل الإعلام» (اختتم أعماله أخيراً)، درجة التباعد بين نقاشات المؤتمر والمجريات المتسارعة على الأرض في المناطق الأكثر تضرراً من الإرهاب في العالم. ما زالت السجالات تراوح عند محاولة تعريف الإرهاب، والدور الذي ينبغي للإعلام أن يلعبه في مواجهة هذه الظاهرة. بالنسبة إلى الطيف الأوسع من النُّخب الإعلامية الروسية، الأجوبة واضحة ولا تحتاج عناء النقاش، وما يحصل في سورية منذ ست سنوات تقريباً، هو الحلقة الأحدث في سلسلة بدأت في الشيشان ومرت بكوسوفو و «المؤامرة الكبرى» على صربيا، ولم تنتهِ بإطلاق «الربيع العربي» الذي دمّر مقدرات المنطقة وسلمها إلى الغرب لولا... التدخُّل الروسي الذي عدّل الميزان، و «أنقذ سورية والمنطقة من الدمار والفوضى»! كان طبيعياً أن يكون لسورية نصيب الأسد من النقاشات، عندما يتناول الحديث الإرهاب، لكن المشكلة أن سورية بأهلها وتاريخها وحضارتها كانت الغائب الأكبر عن المؤتمر الذي لم يرَ فيها وفق غالبية «التقارير» و «المداخلات» المقدّمة، إلا لاجئين أو «إرهابيين» لا يمكن التعامل معهم بمنطق «الأخيار والأشرار»، و «قتالهم» واجب ليس فقط في الميدان فحسب بل كذلك على الشاشات وصفحات الجرائد! وهم أيضاً «إرهابيون افتراضيون»، إذ على كل منهم أن يُثبت براءته من تهمة الإرهاب، قبل أن ينبس بكلمة. وضمن هذا المنطق ذاته، الخطر الداهم في معركة الموصل، هو «احتمال تعرُّض أوروبا لموجة إرهابيين - لاجئين جدد»، وفي أفضل الأحوال، فإن تركيز وسائل الإعلام الروسية انصبّ ليس على المعركة ذاتها، بل على مقارنة فحواها السؤال «لماذا حلال عليهم في الموصل وحرام علينا في حلب»؟ اللافت أن السجالات امتدت طويلاً حين كان الأمر يتعلق بعنوان إحدى ورش العمل في المؤتمر: «آفاق تأسيس جبهة عالمية من الإعلاميين في مواجهة الإرهاب»، إذ سرعان ما تبيّن أن الهوة شاسعة بين «مدرستين» في الإعلام: واحدة غربية تفضّل الحذر عند إطلاق الاتهامات والأوصاف، وتحاول أن تنأى عن استخدام كلمات وأوصاف مثل إرهابيين في نعت المعارضة، وأخرى روسية ترفع لواء الموقف السياسي لموسكو القائم على أن كل مَنْ يرفع السلاح في وجه السلطة الشرعية إرهابي، وغير ذلك من التفاصيل لا يستحق التوقف عنده. ووفقاً لهذا الفهم، عمّم بعضهم الحدث على المنطقة كلها التي «لم تنضج بعد لابتلاع دروس الديموقراطية»، أو كما حدث عندما أشار أحد المشاركين الروس إلى مثال يعكس طبيعة النقاشات الدائرة في «المجتمع» الصحافي الروسي، من خلال إعلان مواقف قاطعة في تصنيف الأحزاب أو القوى التي ينبغي أن تكون في السلطة في هذا البلد العربي أو ذاك! اعتبر بعضهم أن النقاش بهذه الطريقة عكس أحوال الصحافة الروسية التي تحوّلت إلى منابر سياسية لتبرير مواقف الكرملين ونهجه إزاء بؤر التوتُّر في العالم.
مشاركة :