عيون وآذان (شوقي وأبو ماضي ونخلة)

  • 10/24/2016
  • 00:00
  • 45
  • 0
  • 0
news-picture

ذهبت إلى جنوب فرنسا في نهاية الصيف لأعود بالعائلة إلى لندن، ولم أحمل معي ثياب البحر وإنما حملت ديوان أحمد شوقي وديوان إيليا أبو ماضي (وِشّ فقر، كما تقول عني أختنا أميّة اللوزي). كنت أقرأ وأتذكر أن أمير الشعراء قال عن الشاعر اللبناني أمين نخلة: هذا ولي لعهدي/ وقيّم الشعر بعدي والعصر عصر أمين/ خيرٌ ومطلع سعد وكل من قال شعراً/ في الناس عبد لعبدي لكن الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي اعتبر إيليا أبو ماضي أحق بإمارة الشعر وقال عنه: سألني الشعراء أين أميرهم/ فأجبت إيليا بقول مطلق قالوا: وأنت؟ فقلت ذاك أميركم/ فأنا الأمير لأمة لم تخلق كان شوقي وأبو ماضي يلتقيان في الشعر كثيراً ويختلفان قليلاً، ولعل خلافهما كان أوضح في موضوع الخلافة العثمانية، فشوقي نعى الخلافة وبكاها وقال: عادت أغاني العرس رجع نواح/ ونعيت بين معالم الأفراح ضجت عليك منابر ومآذن/ وبكت عليك ممالك ونَوَاح الهند والهة ومصر حزينة/ تبكي عليك بمدمع سحّاح والشام تسأل والعراق وفارس/ أمحا من الأرض الخلافةَ ماحِ أبو ماضي رحَّب بخروج القدس من أيدي العثمانيين، وقال مطالباً بحقوق العرب: رجال الترك ما نبغي انتفاضاً/ لعمركم ولا نبغي انتقاما ولكنا نطالبكم بحق/ ونكره من يريد لنا اهتضاما فهل في دين أحمد أن يجوروا/ وهل في دين أحمد أن نُضاما الإنكليز نفوا شوقي إلى إسبانيا سنة 1915، وحنينه إلى وطنه في غربته القسرية واضح. هو قال: آهاً لنا نازحي أيك بأندلس/ وإن حللنا رفيفاً من روابينا رسمٌ وقفنا على رسم الوفاء له/ نجيش بالدمع والإجلال يثنينا أبو ماضي ذهب إلى مصر سنة 1902 وعمره 12 عاماً وهاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1912 لينضم إلى الرابطة القلمية مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ورفاقهما. هو قال: أنا في نيويورك بالجسم وبالروح في الشرق على تلك الهضاب وعن مصر أختار: ولو أن في مصر مقامي/ لعمر أبيك ما طال المقام وما مصر التي ملكت فؤادي/ ولكن أهلها قوم كرام ودادهم على الأيام باقٍ/ وجارهم عزيز لا يضام وبين أجمل أو أغرب المواضيع، حيث يلتقي شوقي وأبو ماضي، كان زواج الشابة الصغيرة برجل مسنّ ثري، وكنت سجلت لشوقي أبياتاً من قصيدة له أكتفي اليوم منها بهذا البيت: ما زُوجت تلك الفتاة وإنما/ بِيعَ الصبا والحسن بالدينار أبو ماضي قال: لي بعلٌ ظنه الناس أبي/ صدقوني إنه غير أبي وأنا ما زلت في شرخ الصبا/ فلماذا فرّط الأهلون بي لي قدٌّ وجمال يزدري/ ذاك بالغصن وذا بالكوكب أخذوا الدينار مني بدلاً/ أتراني سلعة للكسب الشاعران يلتقيان أيضاً في الانتصار للمرأة وفي الغزل، وأختار من ديوان شوقي: يا ناعماً رقدت جفونه/ مضناك لا تهدا شجونه حمل الهوى لك كله/ إن لم تصنه فمن يصونه الروح ملك يمينه/ يفديه ما ملكت يمينه ما العمر إلا ليلة/ كان الصباح لها جبينه أما أبو ماضي فله: سفرت فقلت لها أهذا كوكب/ قالت أجلّ وأين مني الكوكب وتبسمت فرأيت رِقماً ضاحكاً/ عن لؤلؤ لكنه لا يوهب إن المَلاحة عندها عربية/ وجمال هاتيك الدمى مستعرب هؤلاء كبار الشعراء في العصر الحديث.

مشاركة :